وحصل التردّد في المتعلّق لتردّده بين المتباينين شبهة حكمية أو موضوعية ، لا يمكن التخيير إلاّبين فعل أحدهما وترك الآخر ، دون التخيير بين تركهما معاً أو فعلهما معاً ، لأنّ ذلك مستلزم للمخالفة القطعية ، بخلاف النحو الثاني وهو ما لم يكن في البين إلاّتكليف واحد مردّد في نفسه بين الايجاب والتحريم ، واتّفق الاشتباه في متعلّقه بأن تردّد بين المتباينين ، إمّا على نحو الشبهة الحكمية أو على نحو الشبهة الموضوعية ، فإنّه كما يجوز التخيير فيه بين فعل أحدهما وترك الآخر يجوز التخيير فيه بين فعلهما معاً وتركهما معاً ، فيكون فيه المكلّف مخيّراً بين الجهات الأربع : فعلهما معاً ، وتركهما معاً ، وفعل الأوّل وترك الثاني ، وبالعكس.
قوله : هذا ، ولكن الحكم بالتخيير بقول مطلق لا يخلو من إشكال ، بل ينبغي ملاحظة مرجّحات باب التزاحم ، فيقدّم الموافقة القطعية للأهمّ منهما وإن استلزم ذلك المخالفة القطعية للآخر ... الخ (١).
هذا ما أفاده شيخنا الأُستاذ قدسسره في الدورات السابقة ، ولكنّه قدسسره في الدورة الأخيرة يظهر منه المنع من تقديم الأهمّ ، بدعوى كون ذلك خارجاً عن باب التزاحم ، لأنّ ذلك إنّما هو في التكليف الواصل ، ليكون شاغليته للمكلّف تعجيزاً مولوياً عن الآخر ، دون مثل هذه المسائل ، من دون فرق في ذلك بين هذه المسألة ومسألة دوران الأمر بين المحذورين في الفعل الواحد ، فإنّ التدافع بين الحكمين في أمثال هذه المسائل كما أنّه لم يكن من باب التعارض ، فكذلك ليس هو من باب التزاحم ، لأنّ ملاك التزاحم هو كون أحد التكليفين شاغلاً مولوياً عن الآخر ، وبواسطة شاغليته للمكلّف يكون سالباً لقدرته على الآخر ، بخلاف ما نحن فيه فإنّه قسم ثالث وهو ما يكون التدافع ناشئاً عن تناقض الحكمين مع اشتباه
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٢٦٣.