أمّا النحو الثاني فهو وإن شاركه في أنّه عند أهمية الواجب يسقط التحريم وعند أهمية التحريم يسقط الواجب ، إلاّ أنه عند التساوي يتخيّر بين الفعل وإن كان مقروناً بعصيان الحرام ، أو الترك وإن كان مقروناً بعصيان الواجب ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فإنّ الموافقة لكلّ منهما مقرونة بالمخالفة للآخر.
وفيه ما لا يخفى ، فإنّ التخيير بين الفعل في ذلك النحو مع كونه مقروناً بالمخالفة للتحريم ، والترك مع كونه مقروناً بالمخالفة للواجب ، إنّما هو لعدم المندوحة ، لأنّه إن ترك فقد أطاع النهي لكنّه يكون مخالفاً للأمر ، وإن فعل كان الأمر بالعكس ، وليس في البين ما يتخلّص به عن هذا المحذور الذي هو الوقوع في مخالفة أحد التكليفين ، وهذا بخلاف ما نحن فيه ، فإنّه يمكنه التخلّص من المخالفة القطعية لأحد التكليفين بعدم الاقدام على الموافقة القطعية للآخر ، فتأمّل جيّداً (١)
__________________
كما أنّه لا مانع من ترك الانقاذ بترك الاستطراق ، لأنّ وجوبه سقط بمزاحمة حرمة الاستطراق ، وحينئذ يجوز له أن يتركهما معاً ، كما يجوز له أن يفعلهما معاً. نعم لا يجوز له فعل الأوّل وترك الثاني بأن يستطرق ولا ينقذ [ منه قدسسره ].
(١) وربما يتوهّم أنّ حسن الموافقة القطعية للايجاب مثلاً مزاحم بقبح المخالفة القطعية للتحريم ، وحينئذ لو كان الأقوى هو قبح المخالفة القطعية سقطت الموافقة القطعية ، وبقي حرمة المخالفة القطعية ، وهي قاضية بالمنع من فعلهما والمنع من تركهما ، ولزوم الاتيان بأحدهما وترك الآخر كما ذكرتم.
أمّا لو كان حسن الموافقة القطعية أقوى من قبح المخالفة القطعية وجبت الأُولى وسقطت الثانية ، وحينئذ يكون العقل حاكماً بوجوب الموافقة القطعية لكلّ من الوجوب والحرمة ، وحيث إنّ ذلك لا يمكن كان المكلّف مخيّراً بين الموافقة القطعية