__________________
التحسين والتقبيح ، مع إمكان القول بأنّه لا حكم في البين وإنّما هو من مجرّد الميل والتنفّر ، وهكذا الحال في حكمه بلزوم إطاعة المأمور به المعلوم الأمر تفصيلاً وعصيانه ، بناءً على أنّ ذلك من مقولة شكر المنعم وهو حسن وظلمه وهو قبيح.
أمّا حكم العقل بوجوب الموافقة القطعية للتكليف المعلوم بالاجمال ، فليس هو من تلك المقولة قطعاً ، بل هو من مقولة الفرار عن العقاب المحتمل عند الاتيان بأحد طرفي العلم الاجمالي وترك الآخر ، وهذا الفرار من العقاب المحتمل لا يمكن صدوره في صورة كون ذلك الفرار الحاصل بفعلهما معاً موقعاً للمكلّف في العقاب المقطوع الحاصل من المخالفة القطعية ، لأنّ محصّل ذلك هو الالزام بالوقوع في عقاب أحد التكليفين فراراً من احتمال العقاب على التكليف الآخر لو كان المتروك هو الواجب الواقعي ، وحاصله أنّك لا تكتف بفعل أحدهما ، مخافة أن يكون الآخر المتروك هو الواجب الذي يتبعه العقاب ، فلابدّ لك أن تفعلهما فتعاقب قطعاً ، وحاصل ذلك : فرّ من العقاب المحتمل إلى العقاب المقطوع.
ولله درّ الشيخ قدسسره حيث أشار إلى هذا التفصيل بهذه الكلمة ، وهي قوله : والحكم فيما نحن فيه وجوب الاتيان بأحدهما وترك الآخر مخيّراً في ذلك ، لأنّ الموافقة الاحتمالية في كلا التكليفين أولى من الموافقة القطعية في أحدهما مع المخالفة القطعية في الآخر ، ومنشأ ذلك أنّ الاحتياط ( يعني وجوب الموافقة القطعية ) لدفع الضرر المحتمل لا يحسن بارتكاب الضرر المقطوع ، والله أعلم [ فرائد الأُصول ٢ : ٤٠٣ ].
ومن ذلك كلّه يظهر أنّ وجوب الموافقة القطعية ساقط في المسألة ، وليس في البين إلاّحرمة المخالفة القطعية ، ومقتضى ذلك هو التخيير بين فعل أحدهما وترك الآخر ، وأنّه لا يجوّز العقل تركهما معاً أو فعلهما.
هذا كلّه لو كان التزاحم في الأحكام العقلية في المقام الناشئة عن العلم الاجمالي ، أعني وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية لكلّ من الوجوب والتحريم