قد جرينا في الحاشية السابقة (١) على ذلك اعتماداً على هذا الذي يتراءى من ظاهر هذا التحرير ، وعلى ما وجدناه في مطويات تحريرنا عن شيخنا قدسسره ، ولكن الظاهر أنّ مسلكهم أوسع من ذلك ، فإنّهم يفسدون من أجل اعتبار نية الوجه كلّ احتياط حتّى في مورد العلم بالوجوب المردّد بين المتباينين ، وحتّى في مورد الشبهة البدوية باحتمال الوجوب في قبال عدمه ، فإنّ المكلّف عند إتيانه بأحد الفعلين من الجمعة أو الظهر لا يعلم بأنّه واجب ، فلم يكن قد حصل له قصد الوجه بذلك الفعل. وهكذا الحال في الشبهات البدوية ، فإنّه لو احتمل وجوب الدعاء عند رؤية الهلال وأراد الاحتياط بالاتيان به لاحتمال وجوبه ، لا يكون حاصلاً على قصد الوجه ، لعدم علمه بوجوبه فكيف يمكنه قصد وجوبه ، ولأجل ذلك حكموا ببطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد ، وإلاّ فإنّ سقوط الاحتياط في خصوص الدوران بين الوجوب والاستحباب لا يوجب بطلان العبادة بقول مطلق.
ثمّ إنّ المكلّف في مورد احتمال الطلب الوجوبي في قبال احتمال استحبابه قد عرفت أنّه يمكنه الاحتياط بالاتيان بالفعل بداعي احتمال وجوبه ، كما يمكنه أن يأتي به بداعي ذلك الطلب الواقعي الذي لا يعلمه أنّه هو الوجوب أو الاستحباب ، لكن هذه الطريقة الثانية إنّما تتأتّى فيما لو لم يكن في البين إلاّطلب واحد ، وقد تردّد ذلك الطلب الواحد المعلوم بين كونه وجوبياً أو كونه استحبابياً كما عرفته في مثال صوم يوم الشكّ من شعبان ، أمّا لو احتمل الوجوب زائداً على الاستحباب المعلوم ، بحيث إنّه كان يحتمل أنّ هناك طلبين ، أحدهما وجوبي والآخر استحبابي ، كما لو احتمل أنّ في ذمّته قضاء صوم يوم واحد ، فهو عالم بأنّه
__________________
(١) راجع الحاشية المتقدّمة في الصفحة : ٤٧٧.