قوله : وأمّا الثاني : فلأنّه لم نعثر فيما بأيدينا ... الخ (١).
اختصاص هذه الطريقة ـ أعني عدم الدليل دليل العدم ـ في نيّة الوجه دون أصل قصد القربة إنّما يتمّ على مسلكْ من يقول ـ كصاحب الكفاية قدسسره (٢) ـ بأصالة الاشتغال فيها ، حيث إنّه لا يجب على الحكيم بيان توقّف غرضه عليها ، لامكان إتّكاله في ذلك على التفات عامّة المكلّفين إليها فيحصل لهم الشكّ ، فتلزمهم عقولهم بالاحتياط بالاتيان بها ، وحينئذ لا يفوت غرض الشارع ، بخلاف مثل قصد الوجه حيث إنّه لا يلتفت إليه عامّة المكلّفين ، فلو كان غرضه متوقّفاً عليه لوجب عليه بيانه ، وإلاّ لكان قد ضاع غرضه.
أمّا على مسلك شيخنا قدسسره (٣) من الرجوع في أصل قصد القربة إلى البراءة فلا اختصاص له بقصد الوجه ، بل يجري في أصل قصد القربة ، لأنّ الشارع بعد علمه بأنّ المكلّفين لو حصل لهم الشكّ في اعتبار قصد القربة لرجعوا إلى البراءة ، يكون اللازم عليه لو كان غرضه متوقّفاً عليها بيان ذلك ، وحيث لم يبيّن ذلك في الأخبار ، كان ذلك دليلاً اجتهادياً على عدم دخلها فيه من دون حاجة إلى البراءة.
ولكن لا يخفى الفرق بين قصد القربة وبين نيّة [ الوجه ] ، فإنّ عدم الوجدان في الأوّل لا يدلّ على عدم الصدور ، لجواز الصدور مع أنّه لم يصل إلينا ، لعدم توفّر الدواعي إلى نقله ، بخلاف الثاني فإنّ الدواعي إلى نقله متوفّرة لو كان قد صدر من جانب الشارع.
وحاصل الأمر : أنّا ننتقل من عدم وجدان ما يدلّ على الاعتبار إلى عدم
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٢٦٨.
(٢) كفاية الأُصول : ٧٥ ـ ٧٦.
(٣) فوائد الأُصول ١ ـ ٢ : ١٦٣ ـ ١٦٩.