وجوده وعدم صدوره من جانب الشارع ، ومن عدم وجوده وعدم صدوره من جانب الشارع إلى عدم اعتباره عنده ، وكثرة الابتلاء لها الدخل في المقدّمة الأُولى ولا ربط لها بالمقدّمة الثانية ، والذي له دخل في المقدّمة الثانية على رأي شيخنا قدسسره هو أنّ هذه المسألة ليست ممّا يحكم بلزومها العقل ، وعلى رأي صاحب الكفاية قدسسره هو أنّ هذه المسألة ممّا يغفل عنها العامّة.
ومنه يظهر لك أنّ كثرة الابتلاء لابدّ من أخذها ، سواء على رأي شيخنا قدسسره أو على رأي صاحب الكفاية ، لأنّ عدم وجداننا الدليل على الاعتبار لا يدلّ على عدم صدوره من جانب الشارع ، لجواز أن يكون قد صدر منه ولم يصل إلينا ، فنحن نسدّ هذا الاحتمال بأنّ المسألة لمّا كانت كثيرة البلوى كانت الدواعي إلى نقل ذلك الصادر من جانب الشارع متوفّرة ، على وجه أنّه يحصل لنا العلم العادي بأنّه لو صدر لوصل إلينا لكثرة الدواعي على نقله ، وبهذه المقدّمة يخرج الشكّ في أصل القربة فيما لو أُمرنا بشيء ونشكّ في عباديته ، إذ ليس هو مثل أخذ نيّة الوجه في جميع العباديات في كثرة الابتلاء الموجبة لكثرة النقل والوصول إلينا. وأمّا مسألة الغفلة فكأنّها دخلت فيما أفاده شيخنا قدسسره بطريق التسليم ، وهو أنّا لو سلّمنا أنّ العقل حاكم بلزوم الاتيان ، لكان ممّا لا يصحّ للشارع الاعتماد عليه ، لكون المسألة ممّا يغفل عنها ، وتحرير الشيخ رحمهالله ظاهر في ذلك حيث قال : بل هي من المسائل المغفول عنها (١) ، فإنّه ظاهر في الترقّي.
ويمكن أن يقال : إنّ كثرة الابتلاء بالشيء مع كونه مغفولاً عنه بالنسبة إلى عامّة المكلّفين يولّدان توفّر الدواعي إلى كثرة النقل لو كان قد صدر من جانب الشارع ، على وجه تكون غفلة العامّة عن ذلك الشيء مع فرض أنّ الشارع قد أمر
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٢٦٨.