عرفت المنع من حكم العقل بلزوم الاحتياط في ذلك ، وحينئذ يكون سكوت المولى تضييعاً لغرضه ، ولا أقل من التوقّف عن حكم العقل بالاحتياط وعدم وضوحه ، فإنّه أيضاً يكون تعريضاً للتضييع ، وحينئذ لا يبقى موقع للتفصيل بين ما يغفل عنه وما لا يغفل.
قوله : فالمرجع هي قاعدة الاشتغال لا البراءة ، لأنّ الأمر يدور بين التعيين والتخيير ـ إلى قوله : ـ فإنّه لا جامع بين الامتثال التفصيلي والامتثال الاحتمالي ... الخ (١).
هذا لو قلنا بأنّ الطاعة المعتبرة في العبادة هي عبارة عن لزوم الاتيان بها بداعي الأمر المتعلّق بها واضح ، لما شرحناه في مبحث القطع (٢) من أنّ كون الأمر داعياً بوجوده العلمي يباين كونه داعياً بوجوده الاحتمالي ، فيكون المقام من الترديد بين التعيين والتخيير.
وأمّا لو قلنا بأنّها عبارة عن الانقياد والعبودية ، فقد عرفت أيضاً تحقّق الانقياد والعبودية في مقام الاحتمال أيضاً ، فيكون تقيّد ذلك الانقياد بكونه ناشئاً عن الأمر المعلوم تفصيلاً قيداً زائداً منفياً بالبراءة ، إلاّ أن نقول بأنّ الطاعة أمر بسيط ، وهذه الجهات محصّلة له ، فيرجع الشكّ حينئذ إلى الشكّ في المحصّل ، ويتّجه الإشكال حينئذ بمسألة قصد الوجه والتمييز ونحوهما ممّا أُفيد بأنّ المرجع عند الشكّ في اعتباره هو البراءة.
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٢٧٠.
(٢) رجع الحاشية المفصّلة المتقدّمة في المجلّد السادس من هذا الكتاب ، في الصفحة : ١٧٢ وما بعدها.