وحاصله أنّ هذه النجاسة التي علمها أوّلاً مردّدة بين إناء خالد وإناء عمرو ، ينكشف أنّها دائرة بين حدوث وجوب اجتناب في إناء خالد وبين تحقّق وجوب الاجتناب في إناء عمرو بالأعمّ من الحدوث والبقاء ، فلو كان السابق هو العلم بين إناء زيد وإناء عمرو ، ولحقه العلم بين إناء خالد وإناء عمرو ، فلا إشكال في عدم تأثير اللاحق بالنسبة إلى إناء خالد ، لكن لو كان الأمر بالعكس ، فالعلم السابق وهو بين إناء خالد وإناء عمرو وإن حكم العقل بتأثيره في وقته بالتنجيز بينهما ، إلاّ أنه بعد أن لحقه العلم اللاحق بالنجاسة السابقة المردّدة بين إناء عمرو وإناء زيد يسري الخلل إلى العلم السابق ، ويكون ذلك من قبيل الشكّ الساري الموجب لبطلان أثر العلم التفصيلي فضلاً عن العلم الاجمالي.
وإلى ذلك يشير شيخنا قدسسره بقوله : إنّ العلم لا يكون منجّزاً إلى الأبد ، بل يكون حدوث التنجّز تابعاً لحدوثه وبقاؤه تابعاً لبقائه (١) ، وحينئذ يكون أثر العلم الأوّل الذي وقع مردّداً بين إناء خالد وإناء عمرو ساقطاً بالنسبة إلى إناء خالد ، ويكون المدار في التنجّز على العلم الثاني بالنجاسة السابقة على النجاسة الأُولى ، أعني المردّدة بين إناء زيد وإناء عمرو ، لأنّ هذا المكلّف لو سألته الآن بأنّك فعلاً هل تعلم بأنّ تلك النجاسة التي علمتها أوّلاً بين إناء خالد وإناء عمرو قد أثّرت تكليفاً على كلّ حال ، لقال إنّي فعلاً غير عالم بذلك ، لكنّي كنت معتقداً بذلك ، والآن قد زال اعتقادي ، لأنّي فعلاً أحتمل أنّ تلك النجاسة وقعت فيما هو نجس في الواقع ، فأنا لا أعلم أنّ تلك النجاسة التي كنت علمت أنّها وقعت بين إناء خالد وإناء عمرو قد أثّرت على كلّ حال ، فأنا كنت معتقداً أنّها قد أثّرت على كلّ حال ،
__________________
(١) الظاهر أنّه نقل بالمعنى ، راجع فوائد الأُصول ٤ : ٨٦ ـ ٨٧.