عليه أنّ هذا العلم الباقي لا تتعارض فيه الأُصول ، فلا مانع من جريان الأصل النافي في بعض أطرافه ، وإنّما يدّعي بقاء أثره وهو تنجّز الباقي لو كان ، فيكون حال ما نحن فيه حال ما لو طهّرنا بعض الأطراف أو أتلفناه ونحو ذلك ، فكما أنّه يجب الاجتناب عن الباقي وإن لم تتعارض فيه الأُصول ولم يبق العلم الاجمالي بحاله نعم بقي أثره ، فكذلك ما نحن فيه بعد العثور على مقدار المعلوم بالاجمال.
وخلاصة ما تقدّم : هو أنّا نعلم إجمالاً بصدور أحكام كثيرة عن صاحب الشريعة صلىاللهعليهوآله مردّدة بين الأقل وهو ألف مثلاً والأكثر وهو ألف وخمسمائة مثلاً والقدر المتيقّن من ذلك هو الألف ، ونحن نعلم وجود هذا المقدار فيما بأيدينا من الكتب ، فانحلّ ذلك العلم الاجمالي الكبير إلى هذه الدائرة الضيّقة التي هي فيما بأيدينا من الكتب ، فكان المنجّز من التكاليف هي الألف الموجودة فيما بأيدينا وهي وإن كانت معلّمة بعلامة خاصّة وهي كونها موجودة ومذكورة فيما بأيدينا من الكتب ، إلاّ أنها ليست مردّدة بين الأقل والأكثر ، بل هي محصورة العدد مضبوطة المقدار ، فنحن قبل العثور على تمام ذلك المقدار لا يمكننا إجراء البراءة في حكم إلاّ بعد الفحص عنه فيما بأيدينا ، فإن لم نجده تبيّن أنّه ليس من تلك المنجّزة وأجرينا البراءة فيه ، أمّا بعد العثور على ذلك المقدار لو احتملنا وجوب شيء أو حرمة شيء ، يمكننا الرجوع فيه إلى البراءة من دون فحص.
ومن ذلك يتّضح لك الجواب عمّا أفاده شيخنا الأُستاذ العراقي فيما نقلناه عن درسه من أنّه لو بقي العلم الاجمالي الكبير ولم ينحلّ ، كان ذلك عبارة عن الانسداد ، ولا محلّ حينئذ للرجوع إلى البراءة ، وإن انحلّ العلم الاجمالي الكبير الذي هو عبارة عن الانفتاح لم يكن محل للفحص ، لأنّ الموجب له هو ذلك العلم الاجمالي ، فإنّك قد عرفت أنّ الموجب للفحص هو ذلك العلم الاجمالي