التقييد المذكور. وحاصل الثاني : أنّه لو ظفر بعد الفحص بالمقدار المعلوم بالاجمال ، فلا يكون الفحص حينئذ واجباً في الزائد على ذلك المقدار ولو كان مورداً واحداً ، ولا يلتزم به القائل بالبراءة ، فإنّهم يوجبون الفحص مطلقاً ، ثمّ إنّه قدسسره تأمّل بعد هذين الإيرادين.
ولا يخفى ما في كلا الإيرادين ، أمّا الأوّل فيرد عليه أنّه خلاف الوجدان والإنصاف ، فإنّ من حكّم وجدانه وأنصف يجد أنّه وإن علم إجمالاً بأنّا لسنا مثل البهائم ، وأنّ الشارع المقدّس جعل لنا تكاليف لا نعلمها تفصيلاً ، إلاّ أنه يعلم أيضاً أنّ الشارع جعل لنا طرقاً لو تفحّصنا عنها لعثرنا عليها ، انتهى.
قلت : لا يخفى ما فيه ، وخلاصته ما أفاده الشيخ قدسسره (١) وما اختصره في الكفاية في الردّ على القول بالاختصاص بحجّية الظنّ بالطريق ، من أنّه لو سلّمنا أنّه جعل لنا طرقاً واصلة إلينا ، باقية بأيدينا ، ولم يكن في البين قدر متيقّن الخ (٢).
وثانياً : أنّك قد عرفت أنّ هذا البحث بعد فرض الانفتاح كما هو مذهبه قدسسره ، وحينئذ نقول : إنّ ذلك المعلوم بالاجمال من التكاليف الواقعية أو الطرق المجعولة لو لم تكن مقيّدة بأنّها لو تفحّصنا عنها لعثرنا عليها ، وأنّها ممّا يمكن الظفر بها ، لما كان للقول بالانفتاح مجال ، فإنّ تلك التكاليف الواقعية المعلومة بالاجمال أو الطرق المجعولة ، لو لم يكن الظفر بها ممكناً لكان باب العلم بها منسدّاً ، بل إنّ ذلك أعني عدم إمكان الظفر بها عين انسداد باب العلم ، انتهى.
قلت : قد عرفت أنّ الشيخ قدسسره إنّما ينكر الكلّية ، وهي أنّه جميع ما صدر من صاحب الشريعة يمكن العثور عليه بالفحص ، وإنكار هذه الكلّية لا يوجب
__________________
(١) فرائد الأُصول ١ : ٤٤٥.
(٢) كفاية الأُصول : ٣١٧ ( نقل بالمضمون ).