لاحتمال كون العلوم الحادثة علوماً متأخّرة عن العلم الاجمالي الأوّلي ، ولو بواسطة احتمال حدوث بعضها في المسائل الخارجة عن طرف العلم في الدائرة المضيّقة ، ومثل ذلك غير كاف في الانحلال. نعم لو كان جميع المسائل طرف العلم المزبور ، كان لهذه الشبهة مجال ، إذ العلوم الحادثة حينئذ هو عين ما علم بالظفر بها من الأوّل مقارناً للعلم الاجمالي. كما أنّه لو بنينا على صلاحية العلم المتأخّر للانحلال بمحض احتمال انطباق المعلوم بالاجمال عليه ، كان للشبهة المزبورة أيضاً مجال. وبالجملة : ما تصوّرنا من خصوصية العلم الاجمالي المزبور كافٍ في وجوب الفحص ومانع من جريان أدلّة البراءة ولو نقليّها من دون لزوم محذور فيه أبداً (١).
قلت : لا يخفى أنّ هذا القيد ـ وهو كون المعلوم الاجمالي بحيث إنّه لو تفحّصنا عنه لعثرنا عليه ـ دخيل في دفع الشبهة القائلة بأنّه بعد الفحص وعدم العثور لا يجوز الرجوع إلى البراءة ، لأنّ المانع هو العلم الاجمالي وهو باقٍ بحاله ، فيقال في الجواب عنها : إنّه بعد الفحص وعدم العثور يستكشف أنّ المورد خارج عن ذلك المعلوم الاجمالي المقيّد بالقيد المزبور. ولا دخل للقيد المزبور في دفع الشبهة الأُخرى القائلة بأنّه لا يجب الفحص بعد العثور على مقدار المعلوم بالاجمال لأجل انحلال العلم الاجمالي حينئذ بالعثور على ذلك المقدار ، إذ يكفي أُستاذنا العراقي قدسسره في دفع هذه الشبهة مجرّد ما بنى عليه من أنّ العلم التفصيلي المتأخّر لا يوجب انحلال العلم الاجمالي السابق.
نعم ، يحتاج إلى هذا القيد شيخنا الأُستاذ قدسسره ، لأنّ مبناه هو انحلال العلم
__________________
(١) مقالات الأُصول ٢ : ٢٨٧ ـ ٢٨٨.