كلماته من التفرقة بين الجهل بالحكم وبين نسيانه وإلحاق الأوّل بالثاني. وفيه : أنّ نسيان الحكم عبارة أُخرى عن الجهل به. إلى غير ذلك ممّا يعثر عليه المتأمّل في تمام كلامه زيد في علو مقامه ، انتهى.
قلت : ربما يقال : إنّ وجوب التعلّم والتفقّه في الدين من الواجبات الأصلية والمطلوبات النفسية المحبوبة بالذات ، سواء كان على طريقة الاجتهاد ، أو كان على طريقة التقليد ، بحيث إنّه يستحقّ العقاب على مخالفته بنفسه ، ولو فرض محالاً عدم انتهائه إلى مخالفة الأحكام الشرعية.
أمّا إذا انتهى إلى ذلك ، فتارة يكون من قبيل الغفلة عن الحكم أو القطع بعدمه ، وأُخرى مع الشكّ ، فإن أدّى ترك التعلّم إلى الغفلة عن الحكم في ظرفه أو القطع بعدمه ، كان مستحقّاً لعقابين ، أحدهما لتركه التعلّم المفروض كونه واجباً نفسياً ، فيكون مستحقّاً للعقاب على تركه ، ويكون ذلك الاستحقاق حين ترك التعلّم في ظرف إمكانه ، والعقاب الآخر لمخالفته ذلك الحكم الذي كان في ظرفه غافلاً عنه أو كان قاطعاً بعدمه ، لأنّ استحقاق العقاب على مخالفة الحكم لا يرتفع إلاّ مع فرض العذر في ذلك الجهل كالجاهل القاصر ، أمّا المقصّر فيتبعه العقاب لعدم كون جهله عذراً ، سواء قلنا إنّ الجاهل قادر أو لم نقل ، لا من جهة قيام الحجّة عليه التي هي وجوب التعلّم إيجاباً طريقياً ، بل من جهة ما ذكرنا من عدم معذورية هذا الجاهل المقصّر ، فيكون نظير استحقاق العقاب على الخروج من الأرض المغصوبة. أمّا على تقدير كون الجاهل غير قادر ، فلأنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، وأمّا على تقدير كونه قادراً ، فلأنّ إلقاء نفسه بالجهل الموجب لعدم تأتّي امتثال الحكم الشرعي لمّا كان بسوء اختياره ، لم يكن ذلك مصحّحاً