اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ تلك الشاة التي ارتكبها من ذلك القطيع وإن حكم العقل بلزوم الاجتناب عنها ، إلاّ أنه إنّما يحكم بذلك من حيث احتمال كونها بيضاء ، دون احتمال كونها سوداء ، فلا تكون الحرمة من ناحية احتمال كونها سوداء منجّزة حين الارتكاب ، فإنّ احتماله العقاب حين الارتكاب إنّما هو من ناحية احتمال كونها في الواقع بيضاء ، أمّا ناحية احتمال كونها سوداء فهو يقطع بعدم العقاب عليه.
ولا يخفى أنّ ذلك ـ أعني اختلاف حيثية التنجّز ـ لو تمّ في مثال القطيع لكان تماميته فيما نحن فيه بطريق أولى ، لأنّ العلم الاجمالي إنّما ينجّز التكاليف من حيث نفس تلك الموجودة فيما بأيدينا ، وغيرها تكاليف أُخر يمكن أن لا تنجّز بواسطة منجّزية ما بأيدينا. لكنّه غير تامّ في كلا المقامين ، أمّا في مثال القطيع فلما عرفت من أنّ ذلك لا يخرجه عن كونه قد ارتكب الحرام بلا مبرّر ، ومجرّد قطعه بأنّها على تقدير كونها سوداء لا عقاب على حرمتها لو صادفت الحرمة لا يوجب القطع بعدم العقاب على ذلك الارتكاب الخاصّ ، لأنّ المفروض أنّه لم يحرز كونها سوداء ، ومنه يعرف الكلام فيما نحن فيه بأدنى تغيير في العبارة.
والحاصل : أنّه في ارتكابه المذكور لم يستند إلى ذلك الحكم العقلي أو إلى البراءة الشرعية ، لأنّها إنّما تكون على تقدير لم يحرزه ، وهو تقدير كونها سوداء ، ولابدّ في المؤمّن والمعذّر من كونه مستنداً حين الإقدام ، ولأجل ذلك نقول باستحقاق العقاب فيما لو كان بعد ارتكاب أحد أطراف العلم الاجمالي بالخمرية قد اطّلع على قيام أمارة على أنّه ليس بخمر ، لكن قد صادف أنّ ذلك الذي ارتكبه كان خمراً وأنّ تلك الأمارة مخطئة ، ولم يكن حين الارتكاب مستنداً إلى تلك الأمارة المخطئة ، لعدم اطّلاعه عليها إلاّبعد الارتكاب.