الاقتصادي ، والترف الفكري ، والتحلّل الخلقي الذي أصاب الأمة على أيدي حكّامهم وأمرائهم في الدولتين الأموية والعباسيّة.
فليس أمام الإمام الصادق عليهالسلام اذن إلا اعادة تشكيل وعي الأمة من جديد ، وتعبئة أكبر ما يمكن من طاقات أفرادها للنهوض بمهمّة التغيير الكبرى ، وهو ما استطاع عليهالسلام أن يحققه في تلك الفترة القصيرة ؛ اذ استطاع وبكلّ جدارة أن يعيد للإسلام قوّته ونظارته ، بعد أن أرسى قواعد الفكر الصحيح على أُسسه. فوقف كالطود الأشمّ بوجه تلك العواصف الكثيرة التي أوشكت أن تعصف بكلّ شيء من بقايا الحقّ وأهله ، وجاهد جهاداً علمياً عظيماً ، حتى تمكّن بحكمته وعطائه وعلمه وإخلاصه لله عزّ شأنه وتفانيه في دين جدّه صلىاللهعليهوآله أن يصبغ الساحة الفكرية والثقافية في عصره ـ بعد أن تدنت بها القيم والأخلاق ـ بمعارف الإسلام العظيم ، ومفاهيمه الراقية ، واستطاع تحويل تلك المفاهيم إلى غذاء روحي يومي ، فنقلها من الواقع النظري إلى حيّز التطبيق الفعلى مبتدأً ذلك بروّاد مدرسته العظيمة التي كانت تضمّ ما يزيد على أربعة آلاف رجل ، ّوكلّهم من تلامذته ، حتى صاروا مشاعل نور أضاءت لكل ذي عينين من أفراد الأمة ما أظلمّ عليه.
وهكذا استمرّت مدرسة الإمام الصادق عليهالسلام في أداء رسالتها يغذّيها ـ من بعده ـ الأئمة من وُلده عليهمالسلام بفيض من علم النبوّة ونور الولاية ، ولم يخبُ ضوؤها بتعاقب الزمان وتجدّد الملوان ، ويشهد لخلودها واتّساعها منّك واجد في كلّ عصر قطباً من أقطابها يشار له بالبنان ، وتشدّ إليه الرحال من كلّ فجّ عميق.
وما كان هذا ليتمّ بسهولة لولا الجهاد العلمي الحثيث المتواصل الذي بذله الإمام الصادق عليهالسلام حتى اكتسب الواقع الثقافي الإسلامي بفضل مدرسته