مقدّمة المركز
الحمد لله الواحد الأحد ، وصلواته وسلامه على نبينا محمد واله حجج الله على العباد إلى الأبد ، أما بعد ...
فان من المسلمات التي تركت بصماتها واضحة في تاريخ الفكر الإسلامي ، وبناء حاضره وأثّرت فيه برسم معالم مستقبله ؛ هو الاعتقاد الراسخ بإخبار أهل البيت عليهمالسلام جميعاً عن الإمام المهدي عليهالسلام قبل ولادته وغيبته ، وعلى هذا فليس البحث في غيبة الإمام المهدي قبل ولادته عليهالسلام تسجيلاً حرفيًا لقضية من قضايا الماضي ، بقدر ما هو وصل بين جزء من تاريخ هذه العقيدة في عصر الإمام الصادق عليهالسلام والتعرف على جذورها في تلك الفترة ، وادراك عمقها وامتدادها في عصور الإسلام ، وبين تاريخ تحقّقها على صعيد الواقع ؛ لما بينهما من ارتباط وثيق.
ولا شكّّ أن من يكون حليف القرآن وقرينه ـ والقرآن فيه تبيان لكل شيء ـ قادر على من يوقفنا على ما في ظاهره وباطنه ، ويحدّثنا عن غيبة الإمام المهدي قبل ولادته عليهالسلام ، كما لو كان معه. « ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط ، ومن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حط » ؛ ولهذا قال القاضي ابن أبي ليلى لمّا سأله نوح بن دراج : « أكنت تاركاً قولاً قلته أو قضاءً قضيته لقول أحد؟ قال : لا ، الا رجل واحد! قلت : من هو؟ قال : جعفر بن محمد » ، ذلك هو إمامنا الصادق عليهالسلام ، الحارس الأمين لمنظومة القيم والمفاهيم الإسلامية بنظر الكل ، حيث لم يدع مجالاً لأحد من يشوهها أو يحرفها. ومن عاش في كبد الحقيقة ، لا تكون الإستضاءة بأقواله استضاءةً بجزء من الماضي ؛ لأن الحقيقة في الحياة ليس لها عمر محدّد ، بل تحمل عناضر الخلود والبقاء معها ، وكلما دار عليها الزمان تتجدّد ؛ ولهذا كانت حركته عليهالسلام وفعله وقوله وتقريره تجسيداً حيّاً لحركة الرسالة في خطواتها الفكرية والروحية والعلمية ، في مساحات الزمن الماضي والحاضر والمستقبل ، اذ امتاز عليهالسلام بواقعية مع الحياة على ضوء الإسلام ، فكان غنيا بمفاهيم الرسالة ، متمسّكاً بمنهجها ، دقيقا في فكرها ، واضحاً في تجسيدها حريصاً على لونها ، مقتدياً بها في ضرورة العلم والعمل والتفكير والتخطيط. وعلى هذا فلس ما جاء عنه عليهالسلام بحاجة في عرضه إلى أكثر من تجريده عن أيّة أفكار دخيلة عليه أو أقوال مزيفة مكذوبة منسوبة اليه ، ولم يعرفها أحد من أصحابه ولم يروِها شيعته. وممّا عُلم عنه عليهالسلام وبنحو اليقين ، منه لم يغادر الحياة شهيداً إلا وقد جعل العقيدة بالمهدي عليهالسلام ، عميقة الفكر ، ثابتة الأساس ، متينة الحجة ، واضحة مشخصّة ، مع تطويقه سائر الدعايات المضادّة التي عملت ولا زالت تعمل على تشويه تلك العقيدة ، حتى أحالها إلى رماد. ومن أقواله الثابتة ثبوت الحقيقة ، والواضحة وضوح الشمس في رائعة النهار ، تصريحه بهوية الإمام المهدي عليهالسلام ، وإمامته ، وغيبته ، وظهوره في آخر الزمان ؛ بما يمكن معه القول الحازم بأنه