ومنها : ما يكون من وسواس الشيطان ، يفعل في داخل سمعه كلاماً خفيّاً يتضمّن أشياء مخصوصة ، فيعتقد النائم إذا سمع ذلك الكلام أنّه يراه ، فقد نجد كثيراً من النيام يسمعون حديث من يتحدّث بالقرب منهم ، فيعتقدون أنّهم يرون ذلك الحديث في منامهم.
ومنها : ما يكون سببه والداعي إليه خاطراً يفعله الله تعالى ، أو يأمر بعض الملائكة بفعله ، ومعنى هذا الخاطر أن يكون كلاماً يفعل في داخل السمع ، فيعتقد النائم أيضاً أنّه ما يتضمّن ذلك الكلام والمنامات الداعية إلى الخير والصلاح في الدين يجب أن تكون إلى هذا الوجه مصروفة كما انّما يقتضي الشرّ منها الاُولى أن تكون إلى وسواس الشيطان مصروفة ، وقد يجوز على هذا في ما يراه النائم في منامه ، ثمّ يصحّ ذلك حتّى يراه في يقظته على حدّ ما يراه في منامه ، وفي كلّ منام يصحّ تأويله أن يكون سبب صحّته أنّ الله تعالى يفعل كلاماً في سمعه لضرب من المصلحة بأنّ شيئاً يكون أو قد كان على بعض الصفات ، فيعتقد النائم أنّ الذي يسمعه هو يراه ، فإذا صحّ تأويله على ما يراه ، فما ذكرناه إن لم يكن ممّا يجوز أن تتّفق فيه الصحّة اتّفاقاً ، فإنّ المنامات وما يضيق فيه مجال نسبته إلى الإتّفاق ، فهذا الذي ذكرناه يمكن أن يكون وجهاً فيه » (١).
وقال المازري من العامّة في شرح قول النبيّ : « الرؤيا من الله ، والحلم من الشيطان » : « مذهب أهل السنّة في حقيقة الرؤيا أنّ الله تعالى يخلق في قلب النائم إعتقادات ، كما يخلقها في قلب اليقظان ، وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ، لا يمنعه النوم واليقظة ، فإذا خلق هذه الإعتقادات فكأنّه جعلها علماً على اُمور
_________________________
(١) بحار الأنوار : ٥٨ / ٢١٤.