وأغربُ ما في كلام ( ابن تيمية ) لتصحيح إطلاق ( البِدعة ) على ( التراويح ) من باب كونها وردَت في المعنى اللغوي هو قضيةُ ( الإسراج ) التي أقحمها في كلامه؛ لكي يجعلَ من ( التراويح ) بمعيِّةِ ( الإسراج ) غيرَ مسبوقةٍ بمثال!!
فلو غضضنا النظرَ عن عدم الإشارة إلى أمر ( الإسراج ) من قريبٍ أو بعيد في عمدة الأحاديث التي يُستدلُ بها على ثبوت ( التراويح ) ، بما في ذلك روايتا ( البخاري ) و ( الموطأ ) ، فإنَّنا نتساءلُ مع ( ابن تيمية ) ومَن يسيرُ في ركبه أنَّه هل يرتضي لشخصٍ أن يقولَ بشأن ( صلاة العشاء ) مثلاً التي تُقام جماعةً في مسجد ذي ( سراج ) بأنّها ( بِدعة ) ، ويطلق عليها هذه الكلمةَ بهذه العفوية ، من دون أنْ يقيمَ قرينةً على إثبات ما يقصدُ إليه؟!!
وهل يُلامُ مَن يحملُ كلمةَ ( البِدعة ) في هذا الكلام على معناها الشرعي المنقول عندَ الاستماع إليها بهذه الطريقة المطلقة؟!
__________________
(١) الهندي ، علاء الدين ، كنز العمال ، ج : ١ ، ح : ١١٠٥ ، ص : ٢٢٠.
ووردَ عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام أنَّه قالَ : ( كان رجل في الزمن الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها ، وطلبها من حرام فلم يقدر عليها ، فأتاه الشيطان فقال له : يا هذا إنكَ قد طلبتَ الدنيا من حلال فلم تقدر عليها ، وطلبتها من حرام فلم تقدر عليها ، أفلا أدّلكَ على شيءٍ تكثر به دنياك ، ويكثر به تبعك؟ قال : بلى ، قال : تبتدع ديناً وتدعو إليه الناس. ففعل ، فاستجاب له الناس وأطاعوه ، وأصاب من الدنيا ، ثمَّ أنَّه فكّر فقال : ما صنعت؟ ابتدعت ديناً ودعوت الناس ، وما أرى لي توبة ، إلا أن آتي مَن دعوته إليه فأردّه عنه ، فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه ، فيقول لهم : إنَّ الذي دعوتكم إليه باطل وانما ابتدعته ، فجعلوا يقولون : كذبت وهو الحق ، ولكنَّك شككت في دينك فرجعتَ عنه ، فلما رأى ذلكَ عمد إلى سلسلة فوتد لها وتداً ثم جعلها في عنقه ، وقال : لا أحلّها حتى يتوب اللّه عزَّ وجلَّ عليَّ ، فأوحى اللّه عزَّ وجلَّ إلى نبي من الأنبياء : قل لفلان : وعزتي ، لو دعوتني حتى تنقطع أوصالك ، ما استجبت لك ، حتى تردَّ مَن مات إلى ما دعوته إليه ، فيرجع عنه ) : البرقي ، أبو جعفر ، المحاسن ، ج : ١ ، ص : ٣٢٨ ، ح : ٧.