نتيجةً لهذه الملاحظات أنَّ بعض فصول الحديث على أقل تقدير قد وضعت من قبل الساسة الحاكمين في العصور المتأخرة عن صدر الإسلام ، وفي بداية أمر تدوين الحديث ، من أجل تبرير تلاعب أُمراء الجور ، وولاة السوء بشؤون المجتمع ، ومقدَّرات الشعوب ، وبقائهم على كرسي الحكم وسدة السلطان ... هذا من جانب.
ومن جانب آخر نرى أنَّ الغاية من وضع هذهِ الأحاديث تهدف إلى ضرب مدرسة أهل البيت عليهمالسلام التي كانت تعلن رفضها بكل قوة وصراحة لألوان الجور والاضطهاد ، وتشجب حكومات الجهل والضلال ، وتدعو إلى العودة إلى رسالة الدين الحنيف ، وقيم الإسلام وتعاليمه ، واعتماد كتاب اللّه تعالى ، وسنة رسوله الخاتَم صلىاللهعليهوآلهوسلم منهجاً للحكم وإدارة شؤون الحياة.
فالملاحظ أنَّ صدر الحديث يأمرُ المسلمينَ بالسمع والطاعة على نحو الإطلاق ، ولأي متصدٍّ كان ، ومن دون أن يفترض فيه أية صفة أو خصوصية أو كفاءة تُذكر ، ومن دون أن تُبيَّن الضابطة التي تمَّ بموجبها تقدُّم هذا المتصدي إلى مركز الحكم والقرار ، وتفويض أُمور العباد إليه.
بل الذي يظهر من التأمل في سياق حديث ( سُنَّة الخلفاء الراشدين ) ، ومن خلال النظر في أحاديث أُخرى تشترك معه في لحن الخطاب ، وطريقة التعبير ، أنَّ المقصود من الإطاعة المذكورة في هذا الحديث تعني الإطاعة والانقياد ، إلى أي حاكمٍ أو والٍ ، تمكن أن يصل إلى مركز الحكم ، واستطاع أن يتلبَّس بهذا العنوان ، حتى وإن كان ذلك الحاكم فاسقاً فاجراً جائراً ، فقد جاءَ في صدر الحديث :
|
( أُوصيكم بتقوى اللّه والسمع والطاعة وإن كانَ عبداً حبشيّاً ). |
وقد تكررت نفسُ هذهِ اللهجة في أحاديث أُخرى مقطوعة الوضع ، مما يدل على أنَّ حديث ( سُنَّة الخلفاء الراشدين ) يشترك معها في ذات الأهداف ، وعين الغايات المقصودة.