ونجد الجذور العميقة لهذا النحو من الخلط أيضاً تمتد الى صدر الإسلام الأول؛ حيث كان يظن البعض أنَّ الإتيان بأي أمرٍ حادث لم يرد بشأنه الدليل الخاص ، أو انَّه لم يكن موجوداً في عصر التشريع ، يعدّ من الابتداع ، ولم يلتفتوا إلى إمكانية نسبة مثل هذهِ الأمور الحادثة الى الدين عن طريق الأدلة العامة الواردة بشأنها.
وفي الحقيقة أنَّ هذا الأمر راجع الى نوايا المكلفين ودوافعهم النفسية نحو القيام بالممارسات التي تنضوي تحت العموميات والأدلة الكلية المشروعة ، ولا يصح التسرّع بإطلاق لفظ ( البدعة ) على تلك الممارسات بمجرد وقوعها؛ لأنَّ هذا سيؤدي الى الخلط في المفاهيم ، والاضطراب في تطبيقاتها على مواردها الحقيقية.
ولولا أن يطول بنا المقام لاستعرضنا نماذج كثيرة من أقوال البعض حول رمي مثل هذه الممارسات المشروعة بالابتداع ، مَعَ إمكانية تصحيح صدورها عن طريق النية المذكورة.
على أنّا نكتفي بإيراد مظاهر وقوع هذا الخلط في حياة المسلمين الأوائل ، والتي نقلها البعض في كتبهم من دون أن يوردوا عليها تعليقاً ، أو أنَّ البعض كان يعدّ معالجتها بهذهِ الطريقة الخاطئة ناتجة من دوافع الحرص على التشريع ، وأنَّها كانت من حالات ( الابتداع ) المحرَّمة في حياة المسلمين.
فمن تلك المظاهر ما أورده ( ابن الجوزي ) في ( تلبيس إبليس ) :
|
( إنَّ سعد بن مالك سمع رجلاً يقول : ـ لبّيكَ ذا المعارج فقال : ـ ما كنّا نقول هذا على عهد رسول اللّه ) (١)!! |
فمن الواضح أنَّ هذهِ المقولة يمكن أن تدرج تحت عموميات التشريع ، ولا تكون من قبيل الابتداع.
__________________
(١) ابن الجوزي ، تلبيس إبليس ، ص : ٢٥.