وهنا يتضح كل الوضوح أنَّ مجرّد القول ( حضرت الصلاة رحمكم اللّه ) ، لا يشكِّل ظاهرة مخالفة للدين ، لو لم يقصد منها التشريع على النحو المتقدم ، وإنَّما تبقى محتفظة بالعنوان الأولي لها ، والتسرع بوصفها بالابتداع في غير محلِّه.
وروي في ( المدخل ) كذلك أنَّه :
|
( سئل سفيان عن رجل يكثر قراءة قل هو اللّه أحد ، لا يقرأ غيرها كما يقرأها ، فكرهها وقال : ـ إنَّما أنتم متبعون ، فاتبعوا الأولين ، ولم يبلغنا عنهم نحو هذا ، وإنما نزل القرآن ليُقرأ ، ولا يخص شيئاً دون شيء ) (١). |
فتخصيص شيء دون شيء من القرآن إن كان بقصد الجزئية والتشريع وادّعاء نسبة الأمر إلى الدين من دون دليل شرعي خاص ، فهو من باب ( الابتداع ) وإلا فلا يكون كذلك ، فإطلاق القول بكراهة الأمر ، وعدِّه على خلاف الاتباع أمر غير مقبول.
ويأتي في نفس هذا الاتجاه ما جاءَ في ( تلبيس إبليس ) أنَّه :
|
( أخبر رجل عبد اللّه بن مسعود أنَّ قوماً يجلسونَ في المسجد بعد المغرب ، فيهم رجل يقول : كبّروا اللّه كذا وكذا ، وسبّحوا اللّه كذا وكذا ، واحمدوا اللّه كذا وكذا ، قال عبد اللّه : ـ فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني وأخبرني بمجلسهم. فأتاهم فجلس ، فلما سمع ما يقولونَ ، قامَ فأتى ابنَ مسعود ، فجاءَ وكان رجلاً حديداً ، فقال : ـ أنا عبد اللّه بن مسعود! واللّه الذي لا اله غيره ، لقد جئتم ببدعة ظلماً ، ولقد فضّلتم أصحاب محمد علماً ، فقال عمرو بن عتبة : |
__________________
(١) القرطبي ، ابن وضّاح ، البدع والنهي عنها ، ص : ٤٣.