ولكنْ ثَمةَ خطورة تكمنُ في طريقِ البحثِ الفقهي الذي يتحملُ وجهاتِ النظر المتعددة؛ وذلك عندما تتطورُ المواقفُ إلى درجةِ المسِّ بثوابتِ الشريعة الإسلاميةِ الأساسية ، والاحتكاكِ مع خطوطِها التوقيفيةِ الحمراء ، إذ يتحولُ الجدلُ الدائرُ بينَ الأطرافِ من الإطارِ الفقهي الاجتهادي المحض إلى الإطارِ الفقهي العقائدي الذي يتصلُ بأساسِ فهمنا للتشريع.
فمن أولياتِ البحثِ الفقهي الأساسية ، هو أن يكونَ للمسألة المبحوثِ حولها أصلٌ في الدين ، وأن تكونَ مشرَّعةً على لسانِ سيدِ المرسلين صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأما إذا لم يكن للمسألةِ المبحوثِ فيها هذا الانتماءُ المشروعُ للدين ، ولم تولد هذه المسألةُ من رحمِ الشريعةِ الغرّاء ، وإنَّما استُفيدت شرعيتُها من خلالِ اجتهاداتٍ شخصية ، وآراءَ بشرية ، في مقابل النصوصِ الشرعيةِ الثابتة .. فلا شكَ أنَّ البحثَ سيأخذُ منحىً عقائدياً ، لتصحيحِ مسارِ المسألة ، ووضعِها في دائرةِ الخلافِ الفقهي ، أو إقصائِها كبدعةٍ دخيلةٍ على الدين.
وكانت ( صلاةُ التراويحِ ) مسرحاً لهذا الجدلِ الفقهي العقائدي ، وقد دارت حولَها رحى البحوثِ في المدرستين ، فمدرسةُ الخلفاءِ اعتبرتها في الأغلب سُنَّةً مؤكدةً على الكيفيةِ التي يُؤتى بها في شهرِ رمضانَ جماعةً ، وأطلقت عليها اسمَ ( التراويح ) ، وأمّا مدرسةُ أهلِ البيتِ عليهمالسلام فقد اعتبرت القيامَ في ليالي شهرِ رمضانَ بالنوافل من السُّننِ المؤكَّدة ، إلا أنَّها عدَّت الإتيانَ بالنوافل جماعةً ( بدعةً ) محدثةً لا علاقةَ لها بالدين.
وسوف نقومُ من خلال هذه الدراسة بالبحثِ في هذه المسألة من جوانبها المختلفة ، إدراكاً منّا بأهميّةِ طرقِ هذا الموضوعِ الإسلامي الحساس ، الذي أصبحَ يشكِّلُ بهيئتِه المألوفة لدى مدرسةِ الخلفاء في ليالي شهرِ رمضانَ ظاهرةً راسخة ، تتعمقُ