قوله : ( ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ) [ ٦ / ١٠٤ ] أي لست أنا الرقيب على أعمالكم. قوله : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. كِراماً كاتِبِينَ ) [ ٨٢ / ١٠ ] الآية.
قَالَ الصَّدُوقُ رَحِمَهُ اللهُ : مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَلَهُ مَلَكَانِ مُوَكَّلَانِ يَكْتُبَانِ عَلَيْهِ جَمِيعَ أَعْمَالِهِ ، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَ لَهُ حَسَنَةٌ وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلْهَا وَإِنْ عَمِلَهَا أُجِّلَ سَبْعَ سَاعَاتٍ فَإِنْ تَابَ قَبْلَهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ ، وَالْمَلَكَانِ يَكْتُبَانِ عَلَى الْعَبْدِ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى يَكْتُبَانِ النَّفْخَ فِي الرَّمَادِ ، وَالرَّجُلُ الْمُسْلِمُ يُكْتَبُ مُحْسِناً مَا دَامَ سَاكِتاً فَإِذَا تَكَلَّمَ كُتِبَ إِمَّا مُحْسِناً أَوْ مُسِيئاً ، وَمَوْضِعُ الْمَلَكَيْنِ مِنِ ابْنِ آدَمَ التَّرْقُوَتَانِ ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْيَمِينِ يُكْتَبُ الْحَسَنَاتُ وَصَاحِبَ الشِّمَالِ يُكْتَبُ السَّيِّئَاتُ ، وَمَلَكَا النَّهَارِ يَكْتُبَانِ عَمَلَ الْعَبْدِ بِالنَّهَارِ وَمَلَكَا اللَّيْلِ يَكْتُبَانِ عَمَلَ اللَّيْلِ.
قوله : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) [ ١٥ / ٩ ] قال المفسر هذا رد لإنكارهم واستهزائهم في قوله : ( يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ ) ولذلك قال ( إِنَّا ) فأكد عليهم أنه هو المنزل للقرآن على القطع والثبات وأنه حافظه من كل زيادة ونقصان وتغيير وتحريف ، بخلاف الكتب المتقدمة فإنه لم يتعهد بحفظها وإنما استحفظها الربانيين ولم يكل القرآن إلى غير حفظه. وعن الفراء : يجوز أن يكون الضمير في ( لَهُ ) لرسول الله كقوله ( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ).
قَوْلِهِ : ( الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ ) [ ٢٣ / ٩ ] وَقَوْلِهِ ( الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ) قَالَ عليه السلام : « الْمُرَادُ بِالْأُولَى الْفَرِيضَةُ وَبِالثَّانِيَةِ النَّافِلَةُ » (١).
قيل : وفي الآية دلالة على أن المؤمن لا يجوز أن يكون مؤمنا ببعض ما أوجب الله عليه دون بعض ، وفيه دلالة على عظم قدر الصلاة ومنزلتها لأنه تعالى خصها
__________________
(١) البرهان ج ٣ ص ١٠٩.