بالذكر من بين سائر الفرائض ، ونبه على أن من كان مصدقا بالقيامة وبالنبي صلى الله عليه وآله لا يخل فيها ولا يتركها. قوله : ( سَقْفاً مَحْفُوظاً ) [ ٢١ / ٣٢ ] أي الذي حُفِظَ من الشياطين وحجب عنهم.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَتِ الشَّيَاطِينُ لَا تُحْجُبُ عَنْ السَّمَاوَاتِ ، وَكَانُوا يَتَخَبَّرُونَ أَخْبَارَهَا ، فَلَمَّا وُلِدَ عِيسَى عليه السلام مُنِعُوا مِنْ ثَلَاثَ سَمَاوَاتٍ ، فَلَمَّا وُلِدَ مُحَمَّدُ صلى الله عليه وآله مُنِعُوا مِنْ السَّمَاوَاتِ كُلِّهَا ، فَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَسْتَرِقُّ السَّمْعَ إِلَّا رُمِيَ بِشَهَابٍ.
فذلك معنى قوله تعالى : ( وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ ) قوله : ( وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً ) [ ٦ / ٦١ ] الحَفَظَةُ بالتحريك : الملائكة الذين يكتبون أعمال بني آدم. قال المفسر : وفي هذا لطف للعباد ليزجروا عن المعاصي إذا علموا أن عليهم حفظة من عند الله يشهدون عليهم يوم القيامة. والحَفِيظُ : الحَافِظُ. واسْتَحْفَظْتُهُ الشيء : سألته أن يحفظه وقيل استودعته إياه ، وبالقولين فسر قوله : ( بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ ) [ ٥ / ٤٤ ]. ويقال اسْتُحْفِظُوا : أمروا بِحِفْظِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورُ « مَنْ حَفِظَ عَلَى أُمَّتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثاً بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقِيهاً عَالِماً » (١).
قال بعض الأفاضل : الْحِفْظُ بالكسر فالسكون مصدر قولك « حَفِظْتُ الشيء » من باب علم ، وهو الْحِفَاظَةُ عن الاندراس ، ولعله أراد بالحديث هنا ما يعم الْحِفْظَ عن ظهر القلب والكتاب والنقل بين الناس ولو من الكتاب ، وهذا أظهر الاحتمالات في هذا المقام ، و « على » في قوله « على أمتي » بمعنى اللام ، أي لأمتي ، وقيل أراد بالحفظ ما كان عن ظهر القلب ، لما نقل من أن ذلك هو المتعارف المشهور في الصدر السالف لا غير حتى قيل إن تدوين الحديث من المستحدثات المتجددة في المائة الثانية من الهجرة ، والظاهر من ترتب الجزاء كما قيل على
__________________
(١) سفينة البحار ج ١ ص ٢٨٦.