لا يعد فخرا للشافعيّة ، ولا نقصا للشّيعة ، بل الأمر على عكس ذلك.
على أنّ علماء السنّة لم ينسبوا أحدا من كبار الشّيعة الآخرين كالشيخ المفيد ، والسيّد المرتضى وأمثالهم إلى مذهب آخر ، فما هو السّبب إذا؟
في رأيي أن اعتدال الشّيخ وإنصافه في الأبحاث الكلامية ، ونقله لآراء علماء المذاهب الإسلاميّة في كتاباته لا سيّما في تفسير التبيان وكتاب « الخلاف » ، وترويجه للفقه التفريعى وإشاعته طريقة « الاجتهاد » بين الشّيعة على النّحو المعمول به عند أهل السّنّة كما ستعرف واقتباسه عباراتهم وخصوصا من كتب الامام الشافعي ولا سيّما في كتابه « المبسوط » ، وإيراده للروايات من طرقهم. ، وتصميمه على جمع روايات الفريقين في كتابه « تهذيب الأحكام » في بدء العمل ـ وإن انصرف عنه فيما بعد ـ وأمثال هذه الأمور لعلّها كانت باعثة على صدور هذا الوهم من جانب العلماء الثّلاثة المذكورين. أو أنّ الشّيخ الطوسي اشتبه عليهم بشخص آخر منسوب إلى طوس ، كما حصل ذلك بالفعل لصاحب « كشف الظّنون » الذي اشتبه به مع الشيخ الطّبرسي المتوفى عام ٥٤٨ ه ، أي بعد الطّوسي بمدة ٨٨ عاما.
بل من المعلوم عدم إحاطة هؤلاء المذكورين معرفة كاملة بالشّيخ الطّوسي وكتاباته فالسّبكى مثلا اكتفى بذكر تفسير القرآن و « الأمالي » من كتبه الكثيرة ، وأنّه توفي بالكوفة (١). والكاتب الشّلبى أيضا بدوره ارتكب تلك الأخطاء الواضحة (٢) وكيف كان فلقد تحدث غيرهم من علماء السنة عن حياة الطوسي ، ولم ينسبوا إليه ما نسبه هؤلاء الثّلاثة. وبعض المعاصرين من أهل السّنّة عرّفوه كما كان عليه في نفس الأمر ، وقالوا عنه : « كان عالما على المنهاجين الإمامي والسنّي ». (٣)
ومن المتيقّن لدينا أن عائلات شيعيّة كانت تعيش بطوس حين ذاك وإنّ وجود « الفردوسي » الشاعر لدليل واضح على ذلك. كما نعلم أيضا أنّ جمهور المواطنين والأهالي في
__________________
« العبّاسي » كان أوّلا من أهل السنة ثم تشيّع وكان متضلّعا بالحديث والأخبار وله فيها تآليف كثيرة ، رجال النّجاشي ص ٢٧٠.
(١) اتفق وفاة الشيخ بالنّجف دون الكوفة. ولعلّ السبكى أراد بالكوفة تلك المدينة وضواحيها فتعمّ النّجف.
(٢) مثل ابن حجر في لسان الميزان ج ٥ ، ص ١٣٥. وابن كثير وابن الجوزي في كتابيهما في التّاريخ فلاحظ.
(٣) قاله الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه الامام الصادق ، كما رواه عنه السيد محمد صادق آل بحر العلوم في مقدمته على رجال الشيخ الطوسي ص ٢٧.