فلما رأى الناس فعلهم ـ وهم وجوه الصحابة ومن يحسن الظن بمثله وتدخل الشبهة بفعله ـ توهم أكثرهم انهم لم يتلبسوا بالأمر ولا أقدموا فيه على ما أقدموا عليه الا لعذر يسوغ لهم ويجوزه ، فدخلت عليهم الشبهة واستحكمت في نفوسهم ، ولم يمعنوا النظر في حلها فمالوا ميلهم وسلموا لهم ، وبقي العارفون بالحق والثابتون عليه غير متمكنين من إظهار ما في نفوسهم فتكلم بعضهم ووقع منهم من النزاع ما قد أتت به الرواية ، ثم عاد عند الضرورة إلى الكف والإمساك وإظهار التسليم مع إبطان الاعتقاد للحق ولم يكن في وسع هؤلاء إلا نقل ما علموه وسمعوه من النص الى اخلافهم ومن يأمنونه على نفوسهم فنقلوه وتواتروا الخبر به عنهم.
على ان الله تعالى قد أخبر عن امة موسى عليهالسلام أنها قد ارتدت بعد مفارقة موسى إياها إلى ميقات ربه وعبدوا العجل واتبعوا السامري وهم قد شاهدوا المعجزات مثل فلق البحر وقلب العصا حية واليد البيضاء وغير ذلك من المعجزات ، وفارقهم موسى أياما معلومة ، والنبي عليهالسلام خرج من الدنيا بالموت فإذا كان كل ذلك جائزا عليهم فعلى أمتنا أجوز وأجوز.
على ان الله تعالى قد حكى في هذه الأمة وأخبر انها ترتد ، قال الله تعالى ( وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ).
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو ان أحدهم دخل جحر ضبّ لدخلتموه! قالوا : فاليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال : فمن اذن؟! ).
وقال عليهالسلام : ( ستفترق أمتي ثلاثة وسبعين فرقة ، واحدة منها ناجية وثنتان وسبعون في النار ).
وهذا كله يدل على جواز الخطأ عليهم بل على وقوعه فأين التعجب من ذلك؟.
فان قيل : كيف يكون منهم ما ذكرتموه من الضلال وقد أخبر الله تعالى انه رضى عنهم ، وأعدّ لهم جنات في قوله ( السّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا