من ذلك كله إلا موافقة رؤيته في حال الجلوس أو مجيئه ماشيا وإذا ثبت ذلك وجب ان يكون حكم الآية أيضا هذا الحكم.
فان قيل : ما أنكرتم ان يكون المراد بقوله تعالى ( وَهُمْ راكِعُونَ ) اي يؤتون الزكاة متواضعين! كما قال الشاعر :
لا تهين الكريم (١) علك ان تركع |
|
يوما والدهر قد رفعه |
وانما أراد به علك ان تخضع يوما.
قيل له : الركوع هو التطأطؤ المخصوص ، وانما يقال للخضوع ركوع تشبيها ومجازا لان فيه ضربا من الانخفاض ، والذي يدل على ما قلناه ما نص عليه أهل اللغة ، ذكر صاحب كتاب العين فقال كل شيء ينكب لوجهه فيمس ركبته الأرض أو لا يمس بعد ان يطأطئ رأسه فهو راكع ، وقال ابن دريد : الراكع : الذي يكبو على وجهه ومنه الركوع في الصلاة ، قال الشاعر :
وأفلت حاجب فوق العوالي |
|
على شقّاء تركع في الظراب |
اى تكبو على وجهها. وإذا ثبت ان الحقيقة في الركوع ما ذكرناه لم يسغ حمله على المجاز من غير ضرورة.
فإن قيل : قوله ( الَّذِينَ آمَنُوا ) لفظه [ عام ] كيف يجوز لكم حمله على الواحد وهل ذلك الا ترك للظاهر.
قيل له : قد يعبر عن الواحد بلفظ الجمع إذا كان عظيم الشأن عالي الذكر ، قال الله تعالى ( إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ) (٢) وهو واحد ، وقال ( وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها ) (٣) ، وقال ( إِنّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ ) (٤) ، وقال ( رَبِّ ارْجِعُونِ ) (٥) ونظائر ذلك كثيرة. واجمع المفسرون على ان قوله ( الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ) (٦) ان المراد بقوله « الناس » الأول [ عبد الله ] بن مسعود الأشجعي ، وقال تعالى ( أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ ) (٧) يعنى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقوله تعالى ( الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا ) (٨) نزلت في عبد الله بن أبي سلول ، وإذا كان ذلك مستعملا على ما قلناه ، وكذلك (٩) قوله تعالى :
__________________
(١) الفقير. ظ.
(٢) الحجر : الآية : ٩.
(٣) السجدة : الآية ١٣.
(٤) مريم : الآية : ٤٠. (٥) المؤمنون : الآية : ٩٩.
(٦) آل عمران : الآية : ١٧٣. (٧) البقرة : الآية : ١٩٩.
(٨) آل عمران : الآية : ١٦٨. (٩) فكذلك. ظ.