يحصل لدينا من كلام كلّ من ترجم للسيّد المرتضى أنّه كان له مزيتان بارزتان : إحديهما ، المقام العالي والمكانة المرموقة ، وذاك المجد والرئاسة والعزة الظاهرة وثانيتهما ، إلمامه بكلّ علوم عصره وتبحره في الفنون والمعارف المتداولة في زمانه وبهذا كان السّيد يعتبر ذا المجدين كما أنّ الميز البارز الذي أحرزه أستاذه الشيخ المفيد حسب ما اعترف به كلّ من كتب عنه ، هو القدرة في البحث والمناظرة والغلبة على الخصم في مضمار الجدال والكلام.
ويبدو من مطاوي تراجم كثيرة في « تاريخ بغداد » تأليف الخطيب البغدادي ، المعاصر للسيد المرتضى ، أن العلماء والأدباء والشعراء كانوا يترددون على السيد لقضاء حوائجهم وحل معضلاتهم ومشاكلهم العلمية لديه ، وكانوا يكنون له احتراما بالغا. وجدير بالذكر أنّ الخطيب البغدادي مع إيراده لأمثال هذه المذكرات عن السيد في تضاعيف التراجم كثيرا ، قد اكتفى في ترجمة السيد الخاصة به بكلام موجز عنه في سطور (١) ولقد جاء في مرثية يرثي بها أبو العلاء المعري ، أبا أحمد الحسين بن موسى النقيب ، والد المرتضى والرضي المتوفى عام ٤٠٠ ه أبيات خص بها المعرى هذين الأخوين ، البالغين حين ذاك أوج الشهرة ومنتهى العزة وهي هذه :
أبقيت فينا كوكبين سناهما |
|
في الصبح والظلماء ليس بخلاف |
متأنّقين وفي المكارم ارتقا |
|
متألقين بسؤدد وعفاف |
قدرين في الأرداء بل مطرين في |
|
الإجداء ، بل قمرين في الإشداف |
رزقا العلاء فأهل نجد كلّما |
|
نطقا الفصاحة مثل أهل دياف |
ساوى الرّضي المرتضى وتقاسما |
|
خطط العلا بتناصف وتصاف(٢) |
نعم .. وكما يقول أبو العلاء : فإن الشريف الرضي كان شريكا لأخيه المرتضى في جميع الفضائل إلّا أنّ الخبراء وأهل الأدب : يقدّمونه على المرتضى في صناعة الشعر. وكيف كان فهذان الأخوان أصبحا شمسين مضيئتين في الأندية الأدبيّة والعلميّة في بغداد في عصرهما الذي يعتبر من أرقى الأدوار العلميّة والثقافية في تاريخ الإسلام لكنّ السيّد الرّضي فارق الحياة شابا عام ٤٠٦ ه وترك أخاه وكلّ العلماء وأدباء عصره مصابين في فراقه. حتى إنّ المرتضى لشدّة تأثره على أخيه ومن ثقل المصيبة عليه التجأ إلى حرم
__________________
(١) لاحظ تاريخ بغداد ج ١١ ص ٤٠٢.
(٢) لاحظ شروح سقط الزند السفر ٢ القسم ٣ ص ١٢٩٧ فما بعدها ، وروضات الجنّات ص ٥٧٥ نقلا عن ابن خلكان.