الكاظميّة إلى أن ذهب إليه الوزير فخر الملك بعد الصلاة على جنازة الرّضي وأرجع المرتضى إلى بغداد.
على أنّ ترجمة كاملة عن حياة المرتضى والرضي تحتاج إلى تأليف كتاب ، ونحن قد اكتفينا هنا بشكل مختصر كي نضع أمام القراء مثالا عن البيئة التي نشأ فيها الشيخ الطوسي وللدلالة على تلك الشخصيات الّتي تربى عندها والمفاخر التي ورثها عنهم هذا الرجل العبقري وبالنظر إلى سنة قدوم الشيخ الطوسي أي عام ٤٠٨ ه والى السنة التي توفّي فيها السيد الرّضي وهي سنة ٤٠٦ ه فإنه لا يبقى عندنا شك في أنّه لم يتفق لقاء الشيخ للسيد الرّضي. والجدير بالذكر بل العجيب عندنا أنّ الشيخ الطوسي لم يذكره في كتاب الرجال والفهرست مع أنه كان صاحب تآليف قيّمة أمثال « نهج البلاغة » و « مجازات القرآن » و « المجازات النّبويّة » و « خصائص الأئمة » و « حقائق التنزيل » و « ديوان شعر كبير » وغيرها ، ولم يظهر لنا إلى الآن وجه ذلك. لكن الشيخ النجاشي معاصر الشيخ الطوسي قد أدرك السيد الرّضي وكتب عنه ترجمة قصيرة في رجاله كما يأتي : « محمد بن الحسين .. أخبرنا أبو الحسن الرّضي نقيب العلويين ببغداد ، أخو المرتضى كان شاعرا مبرّزا له كتب ..توفي في السادس من المحرم سنة ست وأربعمائة مائة » (١) ومع المقايسة بين هذا الذي وصف النجاشي به الرضي والذي ذكره في شأن أخيه المرتضى حسب ما تقدّم ، يتبيّن مدى التفاوت بين هذين الشقيقين الفاضلين. وقد ذكر النجاشي في رجاله قصة بشأن « ابن قبة » المتكلّم المشهور سمعها في مجلس الرّضي بحضرة الشيخ المفيد عن أبي الحسين ابن المهلوس العلوي الموسوي (٢) وهذا دليل على أنّ الشيخ النجاشي كان يتردّد على السيد الرضى في حياته ويحضر مجلسه ، كما أنه يروى كتبه عنه من غير واسطة.
وهكذا .. فبعد وفاة الشيخ المفيد لازم الشيخ الطوسي السيّد المرتضى ، ولم يكن حين ذاك ، يتجاوز ٢٨ سنة من العمر كما أشرنا إليه ، ونظرا لاستعداده الجيّد وحسن قريحته فقد أولاه السيد عناية بالغة وخصّص له ١٢ دينارا شهريا في الوقت الذي قرر لسلّار بن عبد العزيز ٨ دنانير. على أنّ هذا الأمر بنفسه يدلّنا على أنّ الشيخ كان ولا يزال يعيش كأحد الطلبة الغرباء في بغداد وكان بحاجة إلى مساعدة الأستاذ. وقد استقى من ينبوع علمه الفيّاض مدة ٢٣ عاما ـ اي من سنة ٤١٣ إلى سنة ٤٣٦ ه ـ عدا ما أخذه عنه قبل
__________________
(١) رجال النّجاشي ص ٢٨٣.
(٢) رجال النّجاشي ص ٢٦٦.