(١) ولعلّ بعض مصنّفات الشيخ أيضا قد مسته النار في تلك الأحداث. على أنّ محلّة الكرخ ومكتبة الشابور التي تحدثنا عنها سابقا قد أحرقتا في عام ٤٥٠ أو ٤٥١ ه. (٢)
وجدير بالذكر انّ الشيخ الطوسي كان مشاهدا لجميع هذه الأخطار والاضطرابات في تمام أيّام إقامته في بغداد ، وحتّى أنه رأى بأم عينيه كيف أنّ الشيخ المفيد أبعد عن بغداد عام ٤٠٩ (٣) ، أي بعد قدوم الشيخ بسنة واحدة ومع ان مشاهدة هذا الوضع المضطرب لا بدّ وأن يؤثر في نفس الشيخ ، ويترقب أن نجد آثار هذا الوضع الروحي في كتاباته وآثاره إلا أن العجيب هنا أن شيئا منها لا يحكي عن اي اضطراب روحي أو تبلبل فكري ولا يشير إلى وقوع شيء من تلك الأحداث. بل على العكس من ذلك ، فانّ جميع إنشاءاته وآثاره وإملاءاته حاكية عن روح هادئة ونفس مطمئنّة ، وارادة جازمة محكمة كما أن مناظراته وأبحاثه في كتبه وردوده على الفرق الأخرى خالية تماما من أي نوع من أنواع التعصب المذموم ، عارية عن الحساسية المترقبة في تلك الأحوال عادة مع انه بحث في كتبه الفقهية والكلامية والأصولية مع كل فريق ، وخاض كل معضلة وولج كل فجّ عميق.
نعم نجد الشيخ في ابتداء كتاب الغيبة الذي ألفه عام ٤٤٧ ه (٤) أي في بحبوحة الصراع والأزمات المتلاحقة يقول : « .. وأنا مجيب إلى ما سأله وممتثل ما رسمه مع ضيق الوقت ، وشعث الفكر ، وعوائق الزمان ، وصوارف الحدثان .. » ومع الاعتراف بأنّ هذه العبارة تحكي عن نهاية الضغط وغلبة اليأس عليه وعن انتهاء أمد صبره على الأحداث غير الملاءمة ، فنحن نرى الشيخ في نفس الوقت وفي وسط تلك الظروف ، يقدم بهذه الكلمات كتابا يعد في موضوعه من أحسن الكتب الى هذا الزمان ، ومن أوثق الآثار في بابه.
وبعد هجرة الشيخ من بغداد وإحاطة الفتن بها كان من الطبيعي أن تنحلّ حوزة الشيعة وتتفكك مجتمعاتهم في بغداد ، وأن يغادرها سائر العلماء أيضا أو يعيشوا فيها منعزلين مستورين عن الناس ، فقد قلنا إن النجاشي قد هاجر إلى مطيرآباد في سامراء حيث توفّى فيها عام ٤٥٠ ه.
__________________
(١) البداية والنّهاية ج ١٢ ص ٩٧.
(٢) الكامل لابن الأثير ج ٨ ص ٨٨.
(٣) الكامل ج ٧ ص ٣٠٠.
(٤) يقول الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة ص ٨٥ : « .. في هذا الوقت الذي هو سنة سبع وأربعين وأربعمائة .. ».