وغيرهما فقال : « اما بعد فاني لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقهة المنتسبين إلى علم الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الإماميّة ويستنزرونه ، وينسبون إلى قلّة الفروع وقلة المسائل ، ويقولون إنهم أهل حشو ومناقضة ، وأنّ من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل ، ولا التّفريع على الأصول ـ وبعد ردّ هذه التهمة عن الشيعة يقول ـ : وكنت على قديم الوقت وحديثه متشوق النفس إلى عمل كتاب يشتمل على ذلك ( أي الفروع ) تتوق نفسي إليه فيقطعني عن ذلك القواطع وتشغلني الشواغل ، وتضعف نيّتي أيضا فيه قلّة رغبة هذه الطائفة فيه ، وترك عنايتهم به ، لأنهم ألفوا الأخبار وما رووه من صريح الألفاظ ، حتّى انّ مسألة لو غيّر لفظها وعبّر عن معناها بغير اللّفظ المعتاد لهم لعجبوا منها ، وقصر فهمهم عنها. وكنت عملت على قديم الوقت كتاب النّهاية ، وذكرت جميع ما رواه أصحابنا في مصنّفاتهم وأصولها من المسائل وفرقوه في كتبهم ، ورتبته ترتيب الفقه ، وجمعت من النظائر ، ورتبت فيه الكتب على ما رتّبت ، للعلّة التي بينتها هناك ، ولم أتعرض للتفريع على المسائل ، ولا لتعقيد الأبواب وترتيب المسائل وتعليقها والجمع بين نظائرها ، بل أوردت جميع ذلك أو أكثره بالألفاظ المنقولة حتّى لا يستوحشوا من ذلك ، وعملت بآخره مختصر جمل العقود في العبادات ، سلكت فيه طريق الإيجاز والاختصار وعقود الأبواب فيما يتعلق بالعبادات ، ووعدت فيه أن أعمل كتابا في الفروع خاصّة يضاف إلى كتاب النّهاية ، ويجتمع معه يكون كاملا كافيا في جميع ما يحتاج إليه .. » وهكذا شرح طريقته المتبعة في كتابه « المبسوط » مع الإشارة إلى كتاب « الخلاف » مصرحا بأنّ كتابي النّهاية والمبسوط لا نظير لهما وكذلك كتاب « الخلاف » يعتبر كتابا لا سابق له في بابه. (١)
وللأسف فمع تقدم كتب ابن أبي عقيل وابن الجنيد في هذا المضمار لم يبق شيء منها سوى جملة من الفتاوى المنقولة عنهما في الكتب ، فليس في إمكاننا مقايسة كتبهما مع كتب الشيخ الطوسي ، لتحديد موقف الشيخ وعمله بالضبط وما أتى به من الجديد المبتكر. إلّا أنّه معلوم لدينا أنّ طريقة ابن أبي عقيل وابن الجنيد لم تواجه استقبالا حافلا من قبل سائر العلماء في ذلك العصر بل اتهموا ابن الجنيد بأنّه كان يعمل بالقياس ويفتي به (٢) حتّى جاء العلامة الحلّي بعد قرون عدة فنفى عنه هذه التهمة (٣) وكيف كان
__________________
(١) لاحظ شرح ذلك في مقال العلامة السيد رضا الصدر في ( يادنامه شيخ الطوسي ج ٣ ص ٢٦٤ ).
(٢) روضات الجنّات ص ٥٣٧.
(٣) روضات الجنّات ص ٥٣٧ نقلا عن الخلاصة للعلامة الحلّي.