في كل واحدة من العبادات الخمس ، وإحصائها في أرقام محدّدة لا يتصور أحسن منها. وليس مبالغة لو ادّعينا أنّه لا يوجد فيما عندنا من المتون الفقهيّة حتّى المتأخّرة عن هذا الكتاب من آثار كبار الفقهاء كتاب بهذا النّظم الجيّد والأسلوب المبتكر هذا مع ما أضفناه إليه من الأرقام الهندسية في الطبع الأخير ويمكن القول بأنّ غرض الشيخ من هذا التأليف كان نفس الهدف الذي رامه العلماء أمثال ابن مالك الأندلسي في ألفيته في النّحو ، والعلامة بحر العلوم في منظومته الفقهية ، والفيلسوف السبزواري في منظومته في المنطق والفلسفة وغيرهم في غيرها فكلّ هؤلاء كانوا بصدد ضبط المطالب العلميّة وتنظيمها تسهيلا للحفظ ولا سيّما للمبتدئين والفارق أنّ هؤلاء وأمثالهم قاموا بهذا العمل في صناعة الشّعر والشيخ الطوسي وكثير من أمثاله قاموا به باستخدام طريقة النثر وقد قال في ديباجة الكتاب « .. ليسهل على من يريد حفظها ، ولا يصعب تناولها ويفزع إليه الحافظ عند تذكره ، والطالب عند تدبره .. ».
هذا النوع من الكتب ازدادت الحاجة إليه على مرّ الزمن ولا سيما في العصر الذي نعيش فيه حيث انّ العلماء في شتى الفنون ، همهم مصروف الى تلخيص المطالب وتنظيمها و « كلاستها » تسهيلا على المتعلمين. هذا بالإضافة إلى أن مثل هذا الكتاب نموذج كامل عن الأساليب المتبعة عند القدماء من قبل ألف سنة.
وبعد. فإنّ الشيخ الطوسي قد ألف هذا الكتاب ، وكذلك ألّف أو أملى كتاب الغيبة ، والاقتصاد والفهرست ، والرّجال بالتماس شخص عبّر عنه بالشيخ الفاضل أو الشيخ الأجل ممّا يدل على أنّ الشيخ الطوسي كان يقدره ويكن له احتراما خاصا فوق درجة احترامه لتلميذ وطالب علم عاديين. وقد قيد في هامش عدة نسخ قديمة رآها العلامة الطهراني (١) وكذلك في هامش النّسخة التي كانت لدينا وعلى أساسها تم تصحيح الكتاب وسيأتي شرحها والتعريف بها (٢) ، قد قيّد أنّ هذا الشيخ هو « ابن البراج ». وهو عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج المتوفّى سنة ٤٨١ ه وكان قاضيا في « طرابلس » ونائبا للشيخ الطوسي في البلاد الشاميّة ، ومؤلفا لكتب قيمة منها شرح قسم العبادات من كتاب « جمل العلم والعمل » للسيد المرتضى ، وكان تتلمذ على السيد والشيخ
__________________
(١) مقدمة التبيان ص ث
(٢) كانت هذه النسخة أوّلا ملكا للمرحوم الحاج عبد الحميد المولوي ، ثم انتقلت مع سائر كتبه إلى مكتبة كليّة الإلهيّات بجامعة مشهد. وكانت النواة الأولى لمخطوطات هذه المكتبة القيّمة.