فوافينا سامرة فوجدنا الأمر كما وصفه ، وفي الدهليز خادم أسود وفي يده تكّة ينسجها ، فسألناه عن الدار ومن فيها ، فقال : صاحبها ، فوالله ما التفت إلينا وقلّ اكتراثه بنا.
فكسبنا الدار كما أمرنا فوجدناه داراً سرية ومقابل الدار ستر ما نظرت قطّ إلى أنبل منه ، كأنّ الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت ، ولم يكن في الدار أحد ، فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كأنّ بحراً فيه ماء ، وفي أقصى البيت حصير قد علمنا أنّه على الماء ، وفوقه رجل من أحسن النّاس هيئة قائم يصلّي ، فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا.
فسبق أحمد بن عبدالله ليتخطّى البيت فغرق في الماء ، وما زال يضطرب حتّى مددت يدي إليه فخلّصته وأخرجته وغشي عليه وبقي ساعة ، وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك الفعل ، فناله مثل ذلك ، وبقيت مبهوتاً.
فقلت لصاحب البيت : المعذرة إلى الله وإليك ، فوالله ما علمت كيف الخبر ، ولا إلى من اُجيئ ، وأنا تائب إلى الله ، فما التفت إلى شيء ممّا قلنا ، وما انفتل عمّا كان فيه ، فهالنا ذلك وانصرفنا عنه ، وقد كان المعتضد ينتظرنا ، وقد تقدّم إلى الحجّاب إذا وافينا أن ندخل عليه في أي وقت كان ، فوافيناه في بعض الليل ، فأدخلنا عليه ، فسألنا عن الخبر ، فحكينا له ما رأينا ، فقال : ويحكم لقيكم أحد قبلي وجرى منكم إلى أحد سبب أو قول ؟
قلنا : لا ، فقال : أنا نفي من جدّي ، وحلف بأشد أيمان له أنّه رجل إن بلغه هذا الخبر ليضربنّ أعناقنا ، فما جسرنا أن نتحدّث به إلاّ بعد موته » (١).
_________________________
(١) كتاب الغيبة : ١٤٩.