ومكان كلّها دلّت على أن فرض أهل الآفاق حجّ التمتّع دون القرآن والإفراد. فيكون فرضه من العُمرة الواجبة بأصل الشرع العمرة المتمتّع بها ، فلا تجب عليه المفردة ؛ إذ لم يدلّ دليل على أن أحداً يجب عليه بأصل الشرع عمرتان : عُمرة تمتّع ، ومفردة. وكذلك القول في اختصاص حاضري مكّة بوجوب المفردة.
وأيضاً النصّ (١) والإجماع إنما دلّا على أن العُمرة على الإطلاق فريضة على من استطاع إليها سبيلاً ، كما أن الكتاب (٢) والسنّة (٣) والإجماع إنما دلّوا على أن ( لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) على الإطلاق.
ثمّ إن الكتاب والسنّة والإجماع دلّوا على أن الحجّ ينقسم إلى ثلاثة أنواع ، والعُمرة إلى نوعين ، وأنه ليس كلّ نوع من أنواع الحجّ والعُمرة واجباً على كلّ مستطيع ، بل على أن فرض من نأى عن مكّة التمتع دون قسيميه فلا يجزي أحدهما عنه اختياراً ، وفرض حاضري مكّة القرآن أو الإفراد.
ومن هذا يعلم أن النائي لم تفرض عليه المفردة بأصل الشرع ، ومن هو من حاضري المسجد لم تفرض عليه عُمرة التمتّع بأصل الشرع. ولم يدلّ دليل على أن المتمتّع بها واجبة على كلّ من استطاع ، ولا على أن المفردة واجبة على كلّ من استطاع ؛ لا كتاباً ولا سنّة ولا إجماعاً ، وكذلك أقسام الحجّ ، بل لم يُفتِ أحد بذلك أصلاً.
وأنت إذا تتبّعت كلام علماء الفرقة وجدتهم مطبقون على أنه إنما يجب الحجّ أو العُمرة على من استطاع بأصل الشرع مرّة واحدة في العمر ، فلو وجب على أحد نوعان من أنواع العُمرة لكان الواجب عليه أكثر من مرّة واحدة في عمره بأصل الشرع.
__________________
(١) انظر ذلك تحت عنوان : أدلة وجوب العمرة المتقدّمة.
(٢) في قوله تعالى : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ). آل عمران : ٩٧.
(٣) الكافي ٤ : ٢٦٤ / ١ ، وسائل الشيعة ١١ : ٧ ، أبواب وجوب الحجّ ، ب ١ ، ح ٢.