المفروضة قبل نزول آية التمتّع ، فكانت عُمرة التمتّع قائمة مقام الأصليّة مجزئة عنها ، وهي منها بمنزلة الرخصة من العزيمة.
ويكون قوله : ( والمفردة تلزم حاضري المسجد الحرام ) إشارة إلى ما استقرّ عليه الحال ، وصار هو الحكم الثابت الآن بأصل الشرع. ففي الأوّل إشارة إلى ابتدائه ، والثاني إلى استقراره ) (١) ، انتهى.
أقول : وقد تقدّم في أحكام حجّ التمتّع من ( الشرائع ) مثل هذه العبارة ، وأجاب عنها الشارح بجواب يحسن ذكره هنا أيضاً ، وكأنه اعتمد على ذكره هناك.
حيث قال المحقّق هناك : ( وإذا صحّ التمتّع سقطت العُمرة المفردة ) (٢).
قال الشارح : ( هذا السقوط لا يتأتّى عندنا حقيقة إلّا في ذي الموطنين بمكّة وناءٍ أو الناذر للحجّ مطلقاً ، أمّا من فرضه التمتّع ابتداءً فإن سقوط المفردة في حقّه مجاز ؛ إذ لم تجب حتّى تسقط. نعم ، يتوجّه ذلك على مذهب العامّة ، لتخييرهم بين الأنواع الثلاثة مطلقاً ) (٣) ، انتهى.
أقول : حاصله أنه لا يتأتّى السقوط حقيقة إلّا في حقّ من وجب عليه نوع من الحجّ لا على التعيين ، بل على التخيير ، ومن هو كذلك لم يثبت في ذمّته نوع بعينه من حجّ أو عُمرة ، وإنما وجب عليه أمر كلّيّ هو الحجّ الكلّيّ والعُمرة الكلّيّة من حيث هما كلّيّان. وبالإحرام بأحد أفراد الكلّيّ يتعيّن ويتبيّن ما هو في ذمّته من الأمر الكلّيّ الذي لا تحقّق له في الخارج إلّا في ضمن جزئي من جزئيّاته.
فالثابت في ذمّته جزئيّ خاصّ يتعيّن ويتبيّن بالإحرام به ، فمن تمّ تمتّعه لا يقال : إنه ثبت في ذمّته المفردة إلّا مجازاً ؛ لأنه لم يثبت في ذمّته الكلّيّ بجميع أفراده ، وإلّا لتعيّن عليه الجميع ولم يُجزِه فرد منها ، ولا الكلّيّ من حيث هو كلّيّ ؛ لعدم إمكان وجوده كذلك خارجاً ، وإنما الثابت في ذمّته فرد خاصّ ، لكنّه غير متعيّن خارجاً إلّا
__________________
(١) مسالك الأفهام ٢ : ٤٩٧ ـ ٤٩٨.
(٢) شرائع الإسلام ١ : ٢١٣.
(٣) مسالك الأفهام ٢ : ٢٠١.