فصنف دخلوا في الصوم بمجرّد ترك الأكل والشرب بالنهار ، وما يقتضي الإفطار في ظاهر الأخبار ، وما صامت جارحة من جوارحهم عن سوء آدابهم وفضائحهم ، فهؤلاء يكون صومهم على قدر هذه الحال صوم أهل الإهمال.
وصنف دخلوا في الصوم وحفظوا بعض جوارحهم من سوء الآداب على مالك يوم الحساب ، فكانوا في ذلك النهار متردّدين بين الصوم بما حفظوه والإفطار بما ضيّعوه.
وصنف دخلوا في الصوم بزيادة النوافل والدعوات التي يعملونها بمقتضى العادات ، وهي سقيمة ؛ لسقم النيّات ، فحال أعمالهم على قدر إهمالهم.
وصنف دخلوا دار ضيافة الله جلّ جلاله في شهر الصيام ، والقلوب غافلة ، والهمم متكاسلة ، والجوارح متثاقلة ، فحالهم كحال من حمل هدايا إلى ملك ليعرضها عليه ، وهو كاره لحملها إليه وعرضها عليه ، وفيها عيوب تمنع من قبولها والإقبال عليه.
وصنف دخلوا في الصوم وأصلحوا ما يتعلّق بالجوارح ، ولكن لم يحفظوا القلب من الخطرات الشاغلة عن العمل الصالح ، فهم كعامل دخل على سلطانه ، وقد أصلح رعيّته بلسانه ، وأهمل ما يتعلّق بإصلاح شانه ، فهو مسؤول عن تقديم إصلاح الرعيّة على إصلاح نفسه ، وكيف أخّر مقدّماً وقدّم مؤخّراً ، وخاطر مع المطّلع على إرادته.
وصنف دخلوا في الصيام بطهارة العقول والقلوب على المراقبة لعلّام الغيوب ، حافظين لما (١) استحفظهم إيّاه ، فحالهم حال عبد تشرّف برضا مولاه.
وصنف ما قنعوا لله جلّ جلاله بحفظ العقول والقلوب والجوارح عن الذنوب والعيوب والقبائح ، حتّى شغلوها بما وفّقهم له من عمل راجح صالح. فهؤلاء أصحاب التجارة المربحة والمطالب المنجحة.
أقول : وقد يدخل في نيّات أهل الصيام إخطار ، بعضها يفسد حال الصيام ، وبعضها
__________________
(١) في المصدر : ( ما ).