وذلك لا يتمّ إلّا بتساوي تجاذب الداعيين ، وكمال القدرة على سلوك كلّ من السبيلين ، وكمال هداية النجدين. فلو كان في طاعة الرسل في كلّ ما تعبّد الله تعالى به عباده مرجّح من رغبة في نعيم ، أو خشية من عذاب أليم ، لم يكمل بتساوي تعارك الداعيين على القلب ، ولم يكن كلفة في التكليف ، ومجاهدة النفس. ولو كان الأمر كذلك لم يكن الاختبار والاختيار ، ولم يكن بلاؤه حسناً وهو حسن البلاء ، فإذا لم يكمل الاختيار بوجود المرجّح بطل الجزاء. وإنه من جملة ما يرفع كمال الاختيار ميل النفس إلى التلذّذ بالمنظر البهيّ ، والمطعم الشهيّ ، أو الجزع من توهّم قاهريّة الآمر الناهي وعقابه ، وإن بذلك يرتفع كمال الإخلاص في طاعة الله وعبادته ، فيرتفع بارتفاعه تحقّق طاعته لما فيه من شوب طاعة رغبة المكلّف ورهبته لما يلائم طباعه وشهوته وما ينافيهما.
وبهذا يثبت أن من عبده لمجرّد نيل الثواب أو الهرب من العقاب لم يعبده ، وقد ثبت بالإجماع والنصّ كتاباً وسنّة مجمع عليها وجوب إخلاص العبادة لله ، وأنه بدونه لا عبادة لله. وهذا إنما أخلص النيّة في طلب الشهوة ، أو الهرب من العقاب والشقوة.
والقاشانيّان : في ( المفاتيح ) (١) وشرحه (٢) مع الأكثر ، واستدلّ عليه في المتن بالحسنة المصنّفة التي مرّ ذكرها (٣).
وقال الشارح : ( صحّة قصد القربة بهذا المعنى يعني : قصد الفعل المعيّن والامتثال والإخلاص لا غبار عليه. وأمّا بالمعنى الآخر وهو : نيل الثواب ودفع
__________________
(١) مفاتيح الشرائع ١ : ٤٩.
(٢) شرح مفاتيح الشرائع ، لولد المصنّف علم الهدى محمد بن محسن الفيض الكاشاني المتوفّى بين ( ١١١٢ ـ ١١٢٣ ) ، وهناك أيضاً ( شرح مفاتيح الشرائع ) للمولى محمّد هادي ابن المولى مرتضى ابن المولى محمّد مؤمن الذي هو أي محمد مؤمن أخو المولى محمد محسن الفيض المصنّف لـ ( المفاتيح ) الذي توفّي سنة (١٠٩١). انظر الذريعة ١٤ : ٧٩. والمصدران غير متوفّرين لدينا.
(٣) الكافي ٢ : ٨٤ / ٥.