وأن المسألة فيها قولان ، فاعلم أنه ممّا لا يقع فيه الشكّ أن الإخلاص في العبادات شرط في صحّتها بالعقل والإجماع الذي لا ريب فيه ، والنقل المتواتر المضمون كتاباً (١) وسنّة (٢).
ومعناه : أنك تقصد بفعلك عبادة الله وحده ، من حيث أمر ومن حيث يريد ، وأن حقيقة النيّة وروحها في كلّ عمل هو الأمر الباعث على العمل ، والغاية المطلوبة به ، فهي الإرادة الكاملة المحقّقة بجميع مشخّصات المنويّ. وروحها الغاية المطلوبة الباعثة على إشاعة العمل وإرادة بروزه في الخارج وإبرازه. فهي في الحقيقة فعل الفاعل والعمل المتشخّص من كلّ وجه مفعوله الواقع بفعله ، فهي طبقه وهو صفتها وحكايتها ، فكل مفعول حكاية فعل فاعله.
فإذن النيّة هي العمل إجمالاً ، وهو هي تفصيلاً بوجه ، وهو غيرها وهي غيره بوجه. أو قل : هي وجود العمل في الذهن (٣) والخيال وعالم المثال ، وهو هي في خارج الزمان.
وبهذا يظهر أن النيّة ليست واقعة في الزمان ، وأن العمل ما لم يتشخّص بجميع مشخّصاته الخارجيّة في النيّة لم يكن هو المنويّ ؛ لأنه حينئذٍ تكون النيّة إرادة إجماليّة لشيء كلّيّ والعمل لا يكون ، بل لا يمكن وقوعه في الخارج إلّا متشخّصاً بجميع متشخّصاته المحصّلة لكونه العينيّ الإذنيّ (٤) الإمضائيّ.
إذا عرفت هذا ، فاعلم أن الله تعالى وتقدّس إنما خلق الخلق ليعبدوه وحده ، ويوحّدوه في جميع مقاماتهم التي من جملتها عبادتهم له. وحقيقة العبادة هي الطاعة ، أي الذلّ له ، والقبول منه ، والاستسلام والتسليم لأمره بجميع أنحاء وجوداته.
__________________
(١) الأعراف : ٢٩ ، غافر : ١٤٠ ، البيّنة : ٥ ، الشعراء : ٨٩.
(٢) انظر وسائل الشيعة ١ : ٥٩ ، أبواب مقدّمة العبادات ، ب ٨.
(٣) في « م » : ( الدهر ).
(٤) في « م » : ( الأدنى ).