ومنها مقام عبادته وشكره للمنعم ، ولا شكّ أن عبادته بمجرّد قصد تحصيل الثواب الموعود أو الفرار من العقاب المتوعّد به ليست عبادة توحيديّة. وهذا أمر لا يحتاج إلى بيان بعد التأمّل فيما أشرنا له إجمالاً.
وحينئذٍ نقول : لا تصحّ عبادة العابد إلّا إذا كان الباعث الحقيقيّ الأوّليّ له على العمل هو امتثال أمر المنعم والقربة له ، أي طلب رضاه الذي هو فرع حبّه له ؛ فإنه كلّما تقرّب العبد إلى الله بامتثال أمره ونهيه أحبّه ، فإذا أحبّه رضي عنه ، فإذا رضي عنه أثابه. كلّ ذلك كرم منه وفضل ، وليس رضاه مجرّدَ ثوابه ، وغضبُه محضَ عقابه ، كما دلّ عليه العقل ، والنقل كتاباً وسنّةً.
ولا ينافي هذا ويخرجه عن الإخلاص في العبوديّة لله علمُ العامل بما وعد الله المحسنين الشاكرين العاملين العابدين لله من حيث أحبّ وشرع ، وعلمُه بما توعّد به الكافرين بنعمة العاصين له من الغضب والعذاب في الدنيا والآخرة والبعد من رضوان الله تعالى ورحمته ، بل ميزان كمال العبادة والإيمان تساوي الخوف من سخط الله والبعد من رحمته ورضوانه ، والرجاء في رحمته ورضاه وإنعامه ، فهو يعبد الله بكمال الاختيار والانقياد ، وتمام العبوديّة والرجاء في رضاه وإنعامه ومزيده ، والطمع في محبّته ورضاه ، وكمال الخوف من غضبه ، والبعد من رضوانه ومحبّته ، والخوف منه.
وقد ثبت أن اليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله من أكبر الكبائر بالنصّ من الكتاب (١) والسنّة (٢) والإجماع ؛ فقد تبيّن أن الخوف من سخط الله والرجاء لرحمة الله وكرمه لا ينافيان كمال الإخلاص والعبوديّة وقصد التقرّب إلى الله ؛ لأنه أرحم الراحمين. ولعلّ الترغيبات والتهديدات وجملة الوعد والوعيد الواردة في الشريعة للدلالة على أن كمال الإيمان والعبوديّة إنما يتحقّق بكمال الرجاء لفضل الله
__________________
(١) يوسف : ٨٧ ، الحجر : ٥٦.
(٢) انظر وسائل الشيعة ١٥ : ٣١٨ ـ ٣٣١ ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ب ٤٦ ، ح ٢ ، ٧ ، ١٣ ، ٣٣ ، ٣٦.