والقرب منه ، الذي هو رضاه ومحبّته وكمال الخوف من سخط الله تعالى وبغضه ، والبعد من ساحة رحمته ورضاه ، وتساوي خوفه ورجاه.
فكون العبد حال عبادته على كمال الرجاء من الله لما وعد به المطيعين ، وكمال الخوف من سخط الله وما يوجبه سخطه من عقوبات العاصين لا ينافي أنه عابد لله بكمال العبوديّة والتسليم والامتثال ، بحيث لو لم يسمع بالجزاء فعلاً وتركاً لكان يعبد الله ويشكر المنعم بإخلاص امتثال الأمر ، وطلب رضاه ، وحبّ ما يحبّه من عبده.
وعلى هذا تحمل الترغيبات والترهيبات ، ويحمل فتوى الأكثر من أهل النفوس القدسيّة. أمّا لو عبد العبد (١) وكانت غايته في عبادته مجرّد تحصيل ما وعد الله العابد على تلك العبادة من الثواب ، أو لمجرّد الفرار من العقوبات التي توعّد بها الله العاصين دنيا وآخرة فيهما ، بحيث لو لم يسمع بذلك ، أو لم يطمع في حصول الثواب أو الخلاص من العقاب لم يعبده ، فلا شكّ في بطلان عبادته ؛ لأنه غير عابد لله ، بل لهواه من جلب المحبوب ، ودفع المرهوب.
وقد علمنا بأُناس صاموا لأجل صيام بعض الأغنياء ، وصلّوا نافلة الليل لأجل أن فلانَ يصلّيها طلباً لرضاه ومحبّته ، ولأن يشاركوه في صفاته وفي فطوره وسحوره.
وكذا لا عبادة لمن كان الباعث له بالأصالة طلب الثواب ، أو الفرار من العقاب ولو كان يقصد مع هذا التقرّب إلى الله وامتثال أمره بالتبعيّة ، فإنه ضرب من الشرك في العبادة ، ولا شكّ أنها حينئذٍ غير خالصة لله بمحض العبوديّة ، فليس بموحّد لله في تلك العبادة. أمّا تساوي الداعيان فهو محال ، أو كالمحال ، ولو فرض إمكانها فهي كالأُولى باطلة ؛ لعدم تحقّق العبادة التوحيديّة بكمال العبوديّة ، والإخلاص في طلب التقرّب لله بتحصيل حبّه ورضاه ، والتخلّص من البعد منه ومن غضبه وبغضه.
وعلى هذا يحمل قول من قال ببطلان العبادة بقصد تحصيل الثواب والفرار من
__________________
(١) في « م » : ( العابد ).