العقاب (١) ، ودعوى إجماع العدليّة (٢) على ذلك ، ويرتفع التنافي بهذا والخلاف ، وبه تتطابق الأخبار ، ويمكن العمل بجميعها ولا يطّرح منها شيء. وبغير هذا التفصيل لا بدّ من اطّراح إمّا الإجماع المنقول وجملة من الأخبار المؤيّدين بصافي الاعتبار ، أو الأخبار الدالّة على الترغيب والترهيب ، وهي في الكثرة بحيث يحصل القطع بأنها ذكرت للحثّ على الطاعة وعلى ترك المعصية ؛ تأكيداً للحجّة ، وقطعاً للأعذار ببيان شدّة حسن الطاعة وحسن عاقبتها ، وخبث المعصية وسوء عاقبتها. ولله الحجّة البالغة.
وبالجملة ، فمن صلّى أو صام أو زكّى أو خمّس أو جاهد في سبيل الله ، واجباً كان ذلك كلّه أو ندباً ، كما ذكرناه بقصد امتثال أمر الله وتحقّقاً بطاعة المنعم وشكره ، ومحبّة لما يحبّه الله منه ، وتقرّباً لله بطلب رضاه ومحبّته ، وهرباً من غضبه وبغضه ، والبعد من ساحة رحمته وجواره ، راجياً حينئذٍ لما وعده به من إفاضات رحماته طامعاً في رضاه ومحبّته ، والقرب من جواره ، خائفاً من مقته وسخطه ، والبعد من جوار أحبّائه ، كانت عبادته صحيحة قطعاً.
وكذلك لو دعا بدعاء ، أو عمل لشفاء الأسقام ، وقضاء الدين ودفع كيد الأعداء ، والحفظ وغير ذلك من أنواع الرحمات والجود ، يجب أن يدعو أو يصلّي ، أو يصل رحمه ، أو يتصدّق قاصداً امتثال أمر الله حابّاً لما أحبّه الله منه أن يسأله ويسترزقه ويستكفي به ، ويستشفي به من هذا الطريق ، وبهذا الدعاء أو العمل عالماً أن الله أحبّ منه أن يستفتح منه ويستنزل أنواع فيضه ورحماته بهذا الطريق ، فهو يسلكه ؛ لأن الله أمره أن يسلك إلى جوده ورحمته ورضاه من هذا الطريق ، فيكون عمله حبّا
__________________
(١) منهم العلّامة رحمهالله في ( أجوبة المسائل المهنّائيَّة ) : ٩٠ / المسألة : ١٤٠ ، والشهيد قدسسره في قواعده ١ : ٧٧ ، والقاشانيان عليهما الرحمة في ( المفاتيح ) وشرحها ، المفاتيح ١ : ٤٩ ، والسيّد رضيّ الدين بن طاوس رحمهالله كما نقل عنه في ( روض الجنان ) : ٢٧ ( حجريّ ) ، و ( مدارك الأحكام ) ١ : ١٨٧. وغيرهم.
(٢) الذي نقله العلّامة رحمهالله في ( أجوبة المسائل المهنّائيَّة ) : ٩٠ / المسألة : ١٤٠ ، بقوله : ( اتّفقت العدليَّة. ).