الفقهاء بالكفائيّ ، وهذا ينقسم أيضاً باعتبار غايته إلى قسمين :
أحدهما : ما كان كمال الحكمة في العدل ، وصلاح النظام الجملي في تحقّقه في الوجود مرّة واحدة ، من واحد أو أكثر يفعلونه جميعاً مرّة واحدة ، ويكون تكراره مطلقاً قبيحاً ؛ لكونه عبثاً ، أو يستلزم ضرراً ومفسدة ، كإنقاذ الغير من الهلكة كالغرق والحرق وشبههما. وأفراده كثيرة ، بل هي الأكثر في أفراد الكفائيّ ، ومنها واجبات الاحتضار ، والتكفين ، والتغسيل ، والدفن ، والجهاد بعد ارتفاع موجبه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد ارتفاع سببهما ، وغير ذلك ، وهو كثير.
والنصّ من الكتاب والسنّة والإجماع والعقل متطابقون على بدعيّة تكرار هذا القسم وحرمته وعدم مشروعيّته ؛ وذلك لانحصار الحكمة في إيجاده في خارج الزمان مرّة واحدة ؛ ولوضوح ضرر تكراره في أكثر موارده ، فهو لا يقبل الزيادة على المرّة بذاته ، وبحسب الفاعل والمحل القابل والموضوع.
والثاني : ما يقبل الزيادة بحسب الفاعل والذات والمحلّ القابل ؛ للقطع بعدم حصول الضرر في تكراره ، بل ظهور المصلحة فيه ؛ لما فيه من تأكّد ظنّيّة حصول غايته وإن كان حكمة صلاح النظام الجمليّ وحفظ الأرض عن أن تسيخ يكفي في تحقّقها إيجاده مرّة واحدة ولو من واحد ممّن كُلّفوا به ، وذلك مثل الصلاة على الأموات ، وردّ السلام إذا كان المبتدئ قد سلّمَ على متعدّد ؛ وذلك لأنه دعاء وغايته الإجابة ، وظنّها كاف لتعذّر العلم بها ، وهو يحصل بفعلها مرّة ولو من واحد ، لكن في التكرار زيادة ظنّيّة بحصول الإجابة ، وهو مطلوب عقلاً.
ويدلّ على صحّة طلب تأكّد هذا الظنّ وراجحيّته استحباب كثرة المصلّين على الميّت ، فقد ورد أن من شهد له أربعون من المؤمنين بخير قبل الله شهادتهم وغفر له (١). ذكرته بالمعنى.
__________________
(١) الخصال ٢ : ٥٣٨ / ٤ ، أبواب الأربعين وما فوقه.