الأموات ، حيث قال رحمهالله : ( واعتبر المصنّفُ وجماعة في سقوط التكليف به الظنّ الغالب ؛ لأن العلم بأن الغير يفعل كذا في المستقبل ممتنع ، فلا تكليف به ، والممكن تحصيل الظنّ ، ولاستبعاد وجوب حضور جميع أهل البلد الكبير عند الميّت حتّى يدفن ، ونحو ذلك ).
إلى أن قال : ( ويشكل بأن الظنّ إنما يقوم مقام العلم مع النصّ عليه بخصوصه ، أو دليل قاطع. وما ذُكِر لا تتمّ به الدلالة ، فإن تحصيل العلم بفعل الغير في المستقبل ممكن بالمشاهدة ونحوها من الأُمور المثمرة له ، والاستبعاد غير مسموع ، وباستلزامه سقوط الواجب عند عدم العلم بقيام الغير به ، وامتناع نيّة الفرض من الظان عند إرادة المباشرة ، وبأن الوجوب معلوم والمُسْقِط مظنون ، والمعلوم لا يسقط بالمظنون ) (١) ، انتهى.
ثمّ نقول : الدلالة العقليّة والشرعيّة قائمتان على قيام الظنّ الذي اعتبرناه مقام العلم هنا :
أمّا الاولى ؛ فلأن العلم اليقينيّ بقيام الغير بالعمل غير ممكن إلّا للمعصوم أو مَنْ يُخبره به المعصوم كما تقدّم ، فتكليف عامّة البشر به تكليف بما لا يطاق ، وهو محال على الله ، فوجب في حكمة أرحم الراحمين أن يقوم الظنّ المذكور مقام العلم هنا ، لا كلّ ظنّ ووهم.
وأمّا الثانية ؛ فلما عرفت من إجماع الأُمّة على العمل به هنا ، وإقامتهم إيّاه مقام العلم. وأنتَ إذا تدبّرت الأخبار وجدتها غير خالية من الإشارة إلى ما قلناه ، على أنه لو شرطنا في كلّ حكم وجود نصّ خاصّ لتعطّل جُلّ أحكام الشريعة ، ولبطل الاستدلال بالعامّ والمطلق والمجمل والمفهوم والفحوى ، وغير ذلك من ضروب الدلالات ، وهو باطل بالضرورة.
فحصر الحكم في الدلالة العقليّة أو النصّ الخاصّ مخالف لإجماع الفرقة ، بل
__________________
(١) روض الجنان : ٩٢ ( حجريّ ).