الأرض إلّا بها. أو القضاء الذاتيّ الذي هو أحد رتب الوجود العامّ. فقد ورد (١) أن لله قضاءً حتماً وهو الوجوديّ بالأصالة ، وقضاءً غير حتم وهو العرضيّ. فكما له تعالى إرادتان : إرادة حتم وإرادة عزم ، كذلك له قضاءان.
وقوله عليهالسلام وَإرَادَتُكَ عَزْمٌ لعلّه أراد أن إرادته لا تكون إلّا على كمال الاختيار لأنها صادرة عن الواحد المختار ، فليس في ملك الله جبر ، بل الخلق بجميع أنحائه جارٍ على كمال الاختيار ذاتاً وصفة وفعلاً ، حتّى في خلقه و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (٢) ، حتّى في وجودها وصفات وجودها ولوازمه وكمالاته.
فحقيقة البشر لمّا طلبت من بارئها بلسان قابليّتها بكمال اختيارها أن تكون بشراً أعطاها الصورة البشريّة. وكذا الفرس والبقر والشجر والحشيش والمعدن ، وجميع ما ذرأ وبرأ من المجرّد والمادّيّ والعلويّ والسفليّ. بل كلّ ذي حرفة وصنعة طلب من جود بارئه أن يكون على تلك الحرفة والصنعة بكمال اختياره. وكذا كلّ ذي لون وهيئة وشكل من بياض وسواد ، وطول وقصر ، وغير ذلك ، كلّ طلب ما هو عليه من أرحم الراحمين بكمال اختياره أن يكون كما هو عليه. فلو أن البليد طلبت إنّيته بكمال الاختيار أن يكون ذا فطنة لَمَا كان بليداً ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) (٣).
وقد نصبت لك مرآةً إن [ أبصرت بها (٤) ] نفسك بصفاء سرّك انطمست عنك كلّ شبهة توهم الخبر في نحو من أنحاء الوجود ، حتّى في الذرّ والطين. فحاصل معنى قوله عليهالسلام إرَادَتُكَ عَزْمٌ أي إنما تجري على كمال الاختيار من المراد ، لا جبر في فعله عزّ اسمه ومشيئته بوجه ( وَما تَشاؤُنَ إِلّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ) (٥). وإن أردت غير هذا فغير خفيّ أن لله إرادتين : إرادة حتم بالأصالة ، وإرادة عزم هي العرضيّة وهي التجلية. فلعلّه عليهالسلام أراد الثانية ؛ إظهاراً لثبوتها ، والله العالم.
__________________
(١) الكافي ١ : ١٤٧ / ٤.
(٢) البقرة : ٢٨٦.
(٣) الكهف : ٤٩.
(٤) في المخطوط : ( أبصرتها ).
(٥) الإنسان : ٣٠ ، التكوير : ٢٩.