قالوا : إنا نتقلّب في الصور حيث شئنا (١). وليس معناه أيضاً : أن هذه الصورة البشريّة المحسوسة منّا لا تشبه صورة أحد من البشر المحسوسة ؛ لأن هذا ليس فيه قدح يذكر في مقام الافتخار.
ولم يقم دليل على أن أحداً من ولد آدم عليهالسلام : على صورة إنسانيّة متفرّد بها دون سائر ذرّيّة آدم عليهالسلام. على أن هذا الفرض كالمحال ؛ لاشتراك بني آدم : في نوعيّة الهيئة من العينين والأُذنين ومحالّهما ، وجميع الكيفيّة والكمّيّة ، وقد أشبهوا غيرهم في ذلك. فكيف ومقتضى نفي النكرة العموم؟ فلو لم يكونوا على شيء من هيئات الصور البشريّة وكمّيّاتها ، بل ولا كيفيّاتها لم يكن لهم جسميّة أصلاً. والكلّ باطل بالضرورة حسّا وعقلاً ، فتبيّن أن ذلك غير مراد.
نعم ، لهم أعين لا تشبه أعين الناس ، وأسماع لا تشبه إسماع الناس ، أي بوجوداتها وعينها ، لا بهيئات أجسامها وكمّيّاتها. وبما تبيّن تندفع الشبهة ، وهذا معناه.
وتتحقّق رؤية المعصوم في المنام كما تتحقّق رؤيته في اليقظة ، إلّا إنه في اليقظة يبصره الناظر بعين جسميّة ، وفي المنام بعين مثاليّة. فإن أمكن رؤيته ومعرفته في اليقظة أمكن رؤيته ومعرفته في المنام ، وإن لا يمكن ذلك في المنام لا يمكن في اليقظة. وقد أمكن في اليقظة ، فهو في المنام ممكن ؛ لاتّحاد العلّة ، وسبب هذا إيجاباً وسلباً بلا فارق.
وهو عليه سلام الله يعرّفك نفسه إذا أراد في اليقظة والمنام على حدّ سواء. ولقد أراك نفسه في الميثاق فعرفته يقيناً ، وستراه عند الاحتضار ، وفي القبر ، وفي الرجعة ، وفي القيامة ، وتعرفه في كلّ ذلك يقيناً. بل معرفته في المنام ، وفي كلّ تلك المراتب أشدّ وأقوى من معرفته في اليقظة ؛ لأنك تعرفه في كلّ مقام بما يناسبه من المعرفة.
وهو في كلّ ذلك لا يشبه أحداً ولا يتوقّف معرفتك له إذا ظهر لك في مقام على
__________________
(١) مشارق أنوار اليقين : ١٧١ ، من خطبة لأمير المؤمنين عليهالسلام وفيها : « أنا الذي أتقلّب في الصور كيف شاء الله ».