بحسب الأغلب أو كلّيّاً إلّا في الصفات الذاتيّة ، فلا يكون زيد في : ( ما أحسن زيداً! ) مفعولاً في المعنى البتّة ، فلا يكون المعنى : ( شيء أحسن زيداً ) أي جعله حسناً ، بل يحتالون فيما إذا أرادوا التعجّب من الصفة التي ليست لازمة ذاتيّة في ردّها إلى الصفة اللازمة الذاتيّة بلفظ ( أشدّ ) ، فيقولون : ( ما أشدّ مضروبيّة زيد! ) فإن المضروبيّة صفة لزيد لا تتجاوزه ، وإن كانت من لوازم ضاربيّة الضارب. ولذا أيضاً يقولون : ( ما أشدّ ضاربيّة زيد! ) ، فافهم.
ولكن أوهمك اختلافهم في تركيب : ( ما أحسن زيداً! ) ، فالمشهور أن ( ما ) نكرة بمعنى شيء ، و ( أحسن ) فعل ماضٍ وزيداً مفعول.
وهذا إنما هو تركيب الجملة باعتبار أصلها من الخبريّة قبل نقلها إلى المعنى الإنشائيّ ، وهو التعجب ، وبعد النقل يبقى التركيب الخبريّ على ما كان ؛ لأنها جرت مجرى الأخبار فلا تغيّر كما هو شأن كلّ جملة قُصد بها الإنشاء تركّب باعتبار صيغة لفظها الخبريّ المنقولة منه. ولذا لا يتصرّف فعل التعجب فلا يأتي منه مضارع ولا أمر في : ( ما أحسن زيداً! ) ولا ماضٍ ولا مضارع في : ( أحسن بزيدٍ ) ، ولا يأتي منهما مصدر ولا اسم فاعل ولا مفعول.
وليس مدلول ( أحسن ) في : ( ما أحسن زيداً! ) الماضي ولا : ( أحسن بزيد ) الأمر ؛ لنقلهما عن مدلولهما اللفظيّ الخبريّ. وكذا كلّ جملة إنشائيّة تركّب باعتبار لفظها الخبريّ ، فتقول في تركيب ( بعتك الثوب ) منشِئاً : ( باع ) فعل ماضٍ ، وليس مدلوله الماضي البتّة ، وعلى هذا فقس.
وإن أبيت إلّا تركن إلّا إلى كلام متقدّم ، فليس عندي ما أُراجعه إلّا كلام الاسفرائيني : في شرح ( اللباب ) استعرته لأنقل لك عبارته.
قال : ( ثمّ شرع يعني : الماتن في إعراب الصيغتين ، فقال : ( ما أفعله! ) أصله شيء أفعله يعني : أن ( ما ) نكرة بمعنى : شيء ، و ( أفعل ) فيه ضمير هو فاعله يرجع إلى ( شيء ) ، وهو معنى قوله : والفعل مسند إلى ضمير ( ما ).