ثمّ قال رحمهالله : ( ويجاب بأن ما يأتي به المصلّي من الأذكار بعد التشهّد الواجب وقبل التسليم فهو من مستحبّات الصلاة وأجزائها المندوبة ، وأمّا ما يأتي به بعد التسليم فهو تعقيب لا صلاة ؛ لانمحاء أثر الصلاة بعده بالكلّيّة ، وهذا معنى انقطاعها به ، وهو لا ينافي انقطاع واجباتها بغيره ) (١).
قلت : هذا الجواب مغرّب والإشكال مشرّق فلن يلتقيا ، فأمّا أن ما يأتي به المصلّي من الأذكار قبل التسليم فهو من مستحبّات الصلاة فلا شكّ فيه ، والنصّ (٢) والإجماع عليه قائم ، لكنّه لا تعلّق له بدفع الإشكال ، بل يلوح منه آثار وجوب التسليم وجزئيّته. وأمّا أن ما يأتي به بعد التسليم فهو تعقيب ، فيدلّ أيضاً على وجوبه وجزئيّته. والعجب ممّن يسلّم هاتين المقدّمتين كيف يدّعي الاستحباب؟! خصوصاً مع تسليم أنه قبل التسليم لا تنمحي صورة الصلاة وإنما تنمحي بعده ، فما زال أثر الصلاة وصورتها لم تنمحِ فهو في صلاة ، وهذا لا يلائم القول بالاستحباب ، ولا بعدم جزئيّة التسليم.
وبالجملة ، فالإشكال باقٍ ، وليس في كلامه ما يدفعه بوجه ، كما لا يخفى.
ثمّ قال رحمهالله تعالى : ( قال الشهيد : في ( الذكرى ) : ( وبهذا يظهر عدم المنافاة بين القول بندبيّته وأنه مُخْرِجٌ من الصلاة ، إلّا إنه يلزم بقاء المكلّف في الصلاة بدون الإتيان به وإن طال ، ولا استبعاد فيه حتّى يخرج عن كونه مصلّياً ، أو يأتي بمنافٍ ).
ثمّ قال : ( فإن قلت : البقاء في الصلاة يلزمه تحريم ما يجب تركه ، ووجوب ما يجب فعله ، والأمران منفيّان هنا ، فينتفي ملزومهما وهو البقاء في الصلاة.
[ قلتُ (٣) ] : لا نسلّم انحصار البقاء في هذين اللازمين على الإطلاق ، إنما ذلك قبل فراغ الواجبات ، أمّا مع فراغها فينتفي هذان اللازمان ، وتبقى باقي اللوازم من
__________________
(١) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٤ ( حجريّ ).
(٢) التهذيب ٢ : ٩٩ / ٣٧٣ ، الوسائل ٦ : ٣٩٣ ـ ٣٩٤ ، أبواب التشهّد ، ب ٣ ، ح ٢.
(٣) من المصدر ، وفي المخطوط : ( قلنا ).