وأمّا إن أتيت به بعد السلام عليكم فلأنك حينئذٍ قد فعلت شيئاً لم يأتِ به خبر ، ولم يدلّ عليه الشارع بوجهٍ ، بل هو مخالف لعمل عامّة المسلمين وخاصّتهم في سائر الأزمان والأصقاع ، فتقع في محذور إدخالك في الشرع ما ليس منه ، ومحذور عبادتك لله من حيث تحبّ لا من حيث يحبّ. وهذا جارٍ في تقديمه على السلام عليكم أيضاً ، فلا تغفل.
وممّا يستأنس له في هذا خبر أبي بكر الحضرمي قلت له : أُصلّي بقوم ، فقال : [ تسلِّم (١) ] واحدة ولا تلتفت ، قل : السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكم (٢).
وأنا لمّا ظهر لي هذا تركت الإتيان بـ : « السلام علينا » وعلى عباد الله الصالحين أصلاً ، ولم أقف على من وافقني على هذا ، وبعد سبع سنين وقع في يدي كتاب الصلاة من ( المناهج شرح الروضة ) تصنيف محمّد بن الحسن الأصفهاني : ، الملقّب ببهاء الدين ، وهو مصنّف ( شرح القواعد ) المسمّى بـ ( كشف اللثام ) ، فوجدته قد قرّر هذا وصرّح به ، ولننقل عبارته بحروفها. قال رحمهالله على عبارة ( الألفيّة ) (٣) التي ذكرها في ( الروضة ) وصورتها : ( إن من الواجب جعل المخرج ما يقدّمه من إحدى العبارتين ، فلو جعله الثانية لم يجزِ ) (٤) : ( قوله : ( فلو جعله الثانية لم يجزِ ) : أمّا إذا كان المتقدّم هو السلام عليكم فظاهر ؛ لأنها مخرجة بالإجماع ، ولا تشرّع مستحبّة متقدّمة إجماعاً ، فيكون نيّة الاستحباب بها كنيّة استحباب بعض الواجبات المتعيّنة في أثناء الصلاة ، وهو مبطل.
وأمّا إذا كان المتقدّم هو السلام علينا ، فلِمَا في بعض الأخبار من كونها مخرجة
__________________
(١) من المصدر ، وفي المخطوط : ( سلّم ).
(٢) تهذيب الأحكام ٣ : ٢٧٦ / ٨٠٣ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٢٧ ، أبواب التسليم ، ب ٤ ، ح ٣.
(٣) الألفيّة في الصلاة اليوميّة : ٦٠.
(٤) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ( المتن ) ١ : ٢٧٩.