من هذه المكرمة ، وكم له من موارد للسقاية لا يستطيع أحد على مثلها ، وذلك يوم بدر ، وقد أجهد المسلمين العطش ، وأحجموا عن امتثال أمر الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله في طلب الماء فرقاً من قريش ؛ لكن نهضت بأبي الريحانتين غيرته الشماء ، وثار به كرمه المتدفق ، فلبّى دعاء الرسول وانحدر نحو القليب وجاء بالماء حتى أروى المسلمين (١).
ولا ينس يوم صفين وقد شاهد من عدوه ما تندى منه جبهة كلّ غيور ، فان معاوية لما نزل بجيشه على الفرات منع أهل العراق من الماء حتى كضّهم الظمأ ، فأنفذ اليه أمير المؤمنين عليهالسلام صعصعة بن صوحان وشبث بن ربعي يسألانه أن لا يمنع الماء الذي أباحه الله ـ تعالى ـ لجميع المخلوقات ، وكلّهم فيه شرع سواء ، فأبى معاوية إلّا التردد في الغواية والجهل ، فعندها قال أمير المؤمنين عليهالسلام : ارووا السيوف من الدماء ترووا من الماء (٢).
ثم أمر أصحابه أن يحملوا على أهل الشام ، فحمل الأشتر في سبعة عشر ألفاً والأشتر يقول :
ميعادنا اليوم بياض الصبح |
|
هل يصلح الزاد بغير ملح |
فلمّا أجلوهم أهل العراق عن الفرات ونزلوا عليه وملكوه أبي صاحب النفسية المقدسة التي لا تعدوها أي مأثرة أن يسير على نهج عدوه حتى أباح الماء لأعدائه ، ونادى بذلك في أصحابه (٣) ، ولم يدعه كرم النفس أن يرتكب ما هو من سياسة الحرب من التضييق على العدو بأي صورة.
__________________
(١) مناقب ابن شهر آشوب ١ / ٤٠٦.
(٢) نهج البلاغة ١ / ١٠٩.
(٣) مناقب ابن شهر آشوب ١ / ٦١٩.