وقد لا تجد مندوحة في تفضيل موقف الحسين عليهالسلام على غيره في السقاية يوم سقى الحر وأصحابه في «شراف» وهو عالم بحراجة الموقف ، ونفاذ الماء بسقي كتيبة فيها ألف رجل مع خيولهم ، ووخامة المستقبل ، وأنّ الماء غداً دونه تسيل النفوس وتشق المرائر ؛ لكن العنصر النبوي والآصرة العلوية لم يتركا صاحبهما إلّا أن يحوز الفضل.
وأما أبو الفضل العباس بن أمير المؤمنين عليهالسلام فلا يوازيه أحد في أمر السقاية يوم ناطح جبلاً من الحديد ببأسه الشديد حتى اخترق الصفوف ، وزعزع هاتيك الألوف ، ولم يبال بشيء إلّا إغاثة شخصية الرسالة المنتشرة في تلك الأمثال القدسية من الذرية الطاهرة ، ولم يكتف بهذه الفضيلة حتى أبت نفسيته الكريمة أن يلتذ بشيء من الماء قبل أن يلتذ به أخوه الامام وصبيته الأزكياء.
ومن أجل مجيئه بالماء إلى عيال أخيه وصحبه في كربلاء سمي «السقاء».
في كربلاء لك عصبة تشكوا الظمأ |
|
من فيض كفك تستمد رواوءها |
وأراك يا ساقي عطاشى كربلا |
|
وأبوك ساقي الحوض تُمنع ماءها (١) |
هذه جملة من موارد السقاية الصادرة من شرفاء سادة متبوئين على منصات المجد والخطر متكئين على أرائك العز والمنعة ، وما كانت تدعهم دماثة أخلاقهم وطهارة أعراقهم أن يكونوا أخلوا من هذه المكرمة ، وقد افتخر بذلك عبد مناف على غيرهم.
وعلى العكس عنهم تجد أعداءهم معاوية وذريته الأرجاس فقد حرموا الماء على آل النبي صلىاللهعليهوآله ، ويالها من فاجعة .. أن تشرب الذئاب والوحوش الماء وتذبل شفاه آل الرسول من الظمأ؟! ياله من ظلم أن يعطش الأسد ، وسيفه بيده ويبكي أطفال الحسين عليهالسلام ويستغيثون.
__________________
(١) العباس (للمقرم) : ١٦٥.