والثابت في الواقع النفسي للإنسان ، أن التعليم والتربية السليمة يستلزمان بذل أقصى سعي ممكن لإقناع المقابل بقبول ما يوجد إليه عن قناعة ذاتية ، أي ينبغي إشعاره بأن ما يعطى إليه ما هو في حقيقته إلّا انبعاث من داخله وليس فرضا عليه من الخارج ليتقبلها بكل وجوده ويتبناها ويدافع عنها.
ونجد من الضرورة إعادة ما قلناه سابقا من أن المشركين الذين كانوا يسجدون للأصنام كانوا يعتقدون أنّ الله عزوجل هو الخالق ، ولهذا يتساءل القرآن الكريم .. من أحق بالسجود .. خالق كل شيء أم المخلوق؟!
وفي نهاية المطاف ، يفند الباري سبحانه مسألة حصر النعم الإلهية بما ذكر ، بقوله : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها).
إنّكم غارقون في النعم الإلهية وفي كل نفس يصعد وينزل آلاف النعم (ولكل نعمة شكر واجب).
إنّ كل دقيقة تمر من عمرنا نكون فيها مدينين لفعاليات ملايين الموجودات الحيّة في داخل بدننا وملايين الموجودات الحية وغير الحية في خارجة ، والتي لا يمكننا أن نحيا ولو للحظة واحدة بدونها.
ولكنّ ضبابية الغفلة حالت دون معرفتنا لهذه النعم الجمة التي كلّما خطا العلم الحديث خطوة إلى الإمام اتّضحت لنا أبعاد واسعة وانفتحت لنا آفاقا جديدة في معرفة النعم الإلهية ، وكل ما ندركه في هذا المجال قليل جدّا ممّا قدّره الباري لنا ، فهل بإمكان المحدود أن يعد ما أعطاه المطلق؟!
ونواجه في هذا المقام سؤالا واستفسارا : كيف إذن نؤدي حق الشكر لله؟ و..ألسنا مع ما نحن فيه زمرّة الجاحدين؟
وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) خير جواب لما واجهنا به.
نعم ، فهو سبحانه أرحم وأرأف من أن يؤاخذنا على عدم الاستطاعة في أداء أتمّ الشكر على نعمه.